سورة الحجرات
  فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع للقرب منهما توسعا، كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه في غير موضع، وقد جرت هذه العبارة هاهنا على سنن ضرب من المجاز، وهو الذي يسميه أهل البيان تمثيلا. ولجريها هكذا فائدة جليلة ليست في الكلام العريان: وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة: والمعنى: أن لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا إما عاملين بالوحي المنزل، وإما مقتدين برسول الله ÷. وعليه يدور تفسير ابن عباس رضى الله عنه. وعن مجاهد: لا تفتاتوا على الله شيئا حتى يقصه على لسان رسوله. ويجوز أن يجرى مجرى قولك: سرني زيد وحسن حاله، وأعجبت بعمرو وكرمه. وفائدة هذا الأسلوب: الدلالة على قوّة الاختصاص، ولما كان رسول الله ÷ من الله بالمكان الذي لا يخفى: سلك به ذلك المسلك. وفي هذا تمهيد وتوطئة لما نقم منهم فيما يتلوه من رفع أصواتهم فوق صوته: لأنّ من أحظاه الله بهذه الأثرة واختصه هذا الاختصاص القوى: كان أدنى ما يجب له من التهيب والإجلال أن يخفض بين يديه الصوت، ويخافت لديه بالكلام. وقيل: بعث رسول الله ÷ إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلا وعليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فقتلهم بنو عامر وعليهم عامر بن الطفيل، إلا ثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بنى سليم قرب المدينة، فاعتزيا لهم إلى بنى عامر، لأنهم أعز من بنى سليم، فقتلوهما وسلبوهما، ثم أتوا رسول الله ÷ فقال: «بئسما صنعتم كانا من سليم، والسلب ما كسوتهما» فوداهما رسول الله ÷ ونزلت، أى: لا تعملوا شيئا من ذات أنفسكم حتى تستأمروا رسول الله ÷. وعن مسروق: دخلت على عائشة في اليوم الذي يشك فيه، فقالت للجارية: اسقه عسلا، فقلت: إنى صائم، فقالت: قد نهى الله عن صوم هذا اليوم. وفيه نزلت. وعن الحسن أنّ أناسا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فنزلت، وأمرهم رسول الله ÷ أن يعيدوا ذبحا آخر. وهذا مذهب أبى حنيفة رحمه