الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الذاريات

صفحة 404 - الجزء 4

  {حَتَّى حِينٍ} تفسيره قوله {تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ}. {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} فاستكبروا عن امتثاله. وقرئ: الصعقة وهي المرّة، من مصدر صعقتهم الصاعقة: والصاعقة النازلة نفسها {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} كانت نهارا يعاينونها. وروى أن العمالقة كانوا معهم في الوادي ينظرون إليهم وما ضرّتهم {فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ} كقوله تعالى {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} وقيل: هو من قولهم: ما يقوم به، إذا عجز عن دفعه {مُنْتَصِرِينَ} ممتنعين من العذاب.

  {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ٤٦}

  {وَقَوْمَ} قرئ بالجر على معنى: وفي قوم نوح وتقوّيه قراءة عبد الله: وفي قوم نوح. وبالنصب على معنى: وأهلكنا قوم نوح، لأنّ ما قبله يدل عليه. أو واذكر قوم نوح.

  {وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧ وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ٤٨}

  {بِأَيْدٍ} بقوّة. والأيد والآد: القوّة. وقد آد يئيد وهو أيد {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لقادرون، من الوسع وهو الطاقة. والموسع: القوى على الإنفاق. وعن الحسن: لموسعون الرزق بالمطر. وقيل: جعلنا بينها وبين الأرض سعة {فَنِعْمَ الْماهِدُونَ} فنعم الماهدون نحن.

  {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٤٩}

  {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أى من كل شيء من الحيوان {خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} ذكرا وأنثى. وعن الحسن: السماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والبر والبحر، والموت والحياة، فعدّد أشياء وقال: كل اثنين منها زوج، والله تعالى فرد لا مثل له {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أى فعلنا ذلك كله من بناء السماء وفرش الأرض وخلق الأزواج إرادة أن تتذكروا فتعرفوا الخالق وتعبدوه.

  {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٥٠ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٥١}

  {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ} أى إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه، ووحدوه ولا تشركوا به