الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة القمر

صفحة 440 - الجزء 4

  نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ٤٤ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ٤٥ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ٤٦}

  {أَكُفَّارُكُمْ} يا أهل مكة {خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ} الكفار المعدودين: قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون، أى أهم خير قوّة وآلة ومكانة في الدنيا، أو أقل كفرا وعنادا يعنى: أنّ كفاركم مثل أولئك بل شر منهم {أَمْ} أنزلت عليكم يا أهل مكة {بَراءَةٌ} في الكتب المتقدّمة. أنّ من كفر منكم وكذب الرسل كان آمنا من عذاب الله، فأمنتم بتلك البراءة {نَحْنُ جَمِيعٌ} جماعة أمرنا مجتمع {مُنْتَصِرٌ} ممتنع لا نرام ولا نضام. وعن أبى جهل أنه ضرب فرسه يوم بدر، فتقدّم في الصف وقال: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه، فنزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} عن عكرمة: لما نزلت هذه الآية قال عمر: أى جمع يهزم، فلما رأى رسول الله ÷ يثب في الدرع ويقول: «سيهزم الجمع» عرف تأويلها {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أى الأدبار كما قال:

  كلوا في بعض بطنكم تعفوا

  وقرئ: الأدبار {أَدْهى} أشدّ وأفظع. والداهية: الأمر المنكر لذي لا يهتدى لدوائه {وَأَمَرُّ} من الهزيمة والقتل والأسر. وقرئ: سنهزم الجمع.

  {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ٤٧ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ٤٩ وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ٥٠}

  {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} في هلاك ونيران. أو في ضلال عن الحق في الدنيا، ونيران في الآخرة {مَسَّ سَقَرَ} كقولك: وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب، لأنّ النار إذا أصابتهم بحرها ولقحتهم بإيلامها، فكأنها تمسهم مسا بذلك، كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذى ويؤلم. وذوقوا: على إرادة القول. وسقر: علم لجهنم. من سقرته النار وصقرته إذا لوحته. قال ذو الرمّة: