الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحديد

صفحة 472 - الجزء 4

  جاء في بعض الفواتح {سَبَّحَ} على لفظ الماضي، وفي بعضها على لفظ المضارع، وكل واحد منهما معناه: أنّ من شأن من أسند إليه التسبيح أن يسبحه، وذلك هجيراه وديدنه، وقد عدى هذا الفعل باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله تعالى {وَتُسَبِّحُوهُ} وأصله: التعدي بنفسه، لأنّ معنى سبحته: بعدته عن السوء، منقول من سبح إذا ذهب وبعد، فاللام لا تخلو إما أن تكون مثل اللام في: نصحته، ونصحت له. وإما أن يراد بسبح لله: أحدث التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصا، {ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ما يتأتى منه التسبيح ويصح. فإن قلت: ما محل {يُحْيِي}؟ قلت: يجوز أن لا يكون له محل، ويكون جملة برأسها، كقوله {لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ} وأن يكون مرفوعا على: هو يحيى ويميت، ومنصوبا حالا من المجرور في {لَهُ} والجار عاملا فيها. ومعناه: يحيى النطف والبيض والموتى يوم القيامة ويميت الأحياء {هُوَ الْأَوَّلُ} هو القديم الذي كان قبل كل شيء {وَالْآخِرُ} الذي يبقى بعد هلاك كل شيء {وَالظَّاهِرُ} بالأدلة الدالة عليه {وَالْباطِنُ} لكونه غير مدرك بالحواس. فإن قلت: فما معنى الواو؟ قلت الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية، والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء. وأما الوسطى، فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين، فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية، وهو في جميعها ظاهر وباطن: جامع للظهور بالأدلة والخفاء، فلا يدرك بالحواس. وفي هذا حجة على من جوّز إدراكه في الآخرة بالحاسة. وقيل: الظاهر العالي على كل شيء الغالب له، من ظهر عليه إذا علاه وغلبه. والباطن الذي بطن كل شيء، أى علم باطنه، وليس بذاك مع العدول عن الظاهر المفهوم.