الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحديد

صفحة 476 - الجزء 4

  فالتمسوا نورا آخر، فلا سبيل لكم إلى هذا النور، وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإنما هو تخييب وإقناط لهم {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} بين المؤمنين والمنافقين بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار. وقيل: هو الأعراف لذلك السور {بابٌ} لأهل الجنة يدخلون منه {باطِنُهُ} باطن السور أو الباب، وهو الشق الذي بلى الجنة {وَظاهِرُهُ} ما ظهر لأهل النار {مِنْ قِبَلِهِ} من عنده ومن جهته {الْعَذابُ} وهو الظلمة والنار. وقرأ زيد بن على ®: فضرب بينهم على البناء للفاعل {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} يريدون موافقتهم في الظاهر {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} محنتموها بالنفاق وأهلكتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالمؤمنين الدوائر {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ} طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار {حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ} وهو الموت {وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} وغرّكم الشيطان بأنّ الله عفوّ كريم لا يعذبكم. وقرئ: الغرور، بالضم {فِدْيَةٌ} ما يفتدى به {هِيَ مَوْلاكُمْ} قيل: هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد:

  فندت كلا الفرجين تحسب أنّه ... مولى المخافة خلفها وأمامها

  وحقيقة مولاكم: محراكم ومقمنكم. أى: مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة للكرم، أى مكان، لقول القائل: إنه لكريم. ويجوز أن يراد: هي ناصركم، أى لا ناصر لكم غيرها. والمراد: نفى الناصر على البتات. ونحوه قولهم: أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع. ومنه قوله تعالى {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} وقيل: تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار.

  {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ