الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحديد

صفحة 483 - الجزء 4

  {لِئَلَّا يَعْلَمَ} ليعلم {أَهْلُ الْكِتابِ} الذين لم يسلموا، ولا مزيدة {أَلَّا يَقْدِرُونَ} أن مخففة من الثقيلة، أصله: أنه لا يقدرون، يعنى: أنّ الشأن لا يقدرون {عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ} أى: لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين: والنور والمغفرة، لأنهم لم يؤمنوا برسول الله، فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله، ولم يكسبهم فضلا قط. وإن كان خطابا لغيرهم، فالمعنى: اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} ولا ينقصكم من مثل أجرهم، لأنكم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله. روى أنّ رسول الله ÷ بعث جعفرا ¥ في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم جعفر عليه فدعاه فاستجاب له، فقال ناس ممن آمن من أهل مملكته وهم أربعون رجلا. ائذن لنا في الوفادة على رسول الله ÷، فأذن لهم فقدموا مع جعفر وقد تهيأ لوقعة أحد، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة: استأذنوا رسول الله ÷، فرجعوا وقدموا بأموال لهم فآسوا بها المسلمين، فأنزل الله {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ...} إلى قوله ... {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} فلما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} فخروا على المسلمين وقالوا: أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين، وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم، فما فضلكم علينا؟ فنزلت. وروى أنّ مؤمنى أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرّتين، وادعوا الفضل عليهم، فنزلت. وقرئ لكي يعلم. ولكيلا يعلم. وليعلم. ولأن يعلم: بإدغام النون في الياء. ولين يعلم: بقلب الهمزة ياء وإدغام النون في الياء. وعن الحسن: ليلا يعلم، بفتح اللام وسكون الياء. ورواه قطرب بكسر اللام. وقيل في وجهها: حذفت همزة أن، وأدغمت نونها في لام لا، فصار «للا» ثم أبدلت من اللام المدغمة ياء، كقولهم: ديوان، وقيراط. ومن فتح اللام فعلى أن أصل لام الجرّ الفتح، كما أنشد:

  أريد لأنسى ذكرها. ..