سورة المجادلة
  عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ١٩}
  كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله تعالى {مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين {ما هُمْ مِنْكُمْ} يا مسلمون {وَلا مِنْهُمْ} ولا من اليهود، كقوله تعالى {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ}. {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ} أى يقولون: والله إنا لمسلمون، فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن المحلوف عليه كذب بحت. فإن قلت: فما فائدة قوله {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}؟ قلت: الكذب: أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه، سواء علم المخبر أو لم يعلم، فالمعنى: أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه، وهم عالمون بذلك متعمدون له، كمن يحلف بالغموس. وقيل: كان عبد الله بن نبتل المنافق يجالس رسول الله ÷، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق، فقال له النبي ÷: «علام تشتمني أنت وأصحابك»؟ فحلف بالله ما فعل، فقال #: «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت {عَذاباً شَدِيداً} نوعا من العذاب متفاقما {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} يعنى أنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول على سوء العمل مصرين عليه. أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة. وقرئ: إيمانهم، بالكسر، أى: اتخذوا أيمانهم التي حلفوا بها. أو إيمانهم الذي أظهروه {جُنَّةً} أى سترة يتسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم {فَصَدُّوا} الناس في خلال أمنهم وسلامتهم {عَنْ سَبِيلِ اللهِ} وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويضعفون أمر المسلمين عندهم. وإنما وعدهم الله العذاب المهين المخزى لكفرهم وصدهم، كقوله تعالى {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ}. {مِنَ اللهِ} من عذاب الله {شَيْئاً} قليلا من الإغناء. وروى أنّ رجلا منهم قال: