الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الصف

صفحة 527 - الجزء 4

  الداعي: غفر الله لك، ويغفر الله لك: جعلت المغفرة لقوّة الرجاء، كأنها كانت ووجدت. فإن قلت: هل لقول الفراء أنه جواب {هَلْ أَدُلُّكُمْ} وجه؟ قلت: وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد، فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم؟ فإن قلت: فما وجه قراءة زيد بن على ® {تُؤْمِنُونَ ... وَتُجاهِدُونَ}؟ قلت: وجهها أن تكون على إضمار لام الأمر، كقوله:

  محمّد تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا

  وعن ابن عباس أنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون: ليتنا نعلم ما هي، فدلهم الله عليها بقوله {تُؤْمِنُونَ} وهذا دليل على أن {تُؤْمِنُونَ} كلام مستأنف، وعلى أنّ الأمر الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلع منها إليه: أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به {ذلِكُمْ} يعنى ما ذكر من الإيمان والجهاد {خَيْرٌ لَكُمْ} من أموالكم وأنفسكم. فإن قلت: ما معنى قوله {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ قلت: معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم حينئذ، لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم، فتخلصون وتفلحون {وَأُخْرى تُحِبُّونَها} ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم، ثم فسرها بقوله {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أى عاجل وهو فتح مكة. وقال الحسن: فتح فارس والروم. وفي {تُحِبُّونَها} شيء من التوبيخ على محبة العاجل. فإن قلت: علام عطف قوله {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؟ قلت: على {تُؤْمِنُونَ} لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. فإن قلت: لم نصب من قرأ نصرا من