الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المنافقون

صفحة 539 - الجزء 4

  بالله في موضع أقسم وأولى. وبه استشهد أبو حنيفة | على أن «أشهد» يمين. ويجوز أن يكون وصفا للمنافقين في استجنانهم بالأيمان. وقرأ الحسن البصري: إيمانهم، أى: ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم. ويعضده قوله تعالى {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}. {ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله. وفي {ساءَ} معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين {ذلِكَ} إشارة إلى قوله {ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أى ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا بسبب {بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان، أى: ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا {فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ} فجسروا على كل عظيمة. فإن قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله {آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: آمنوا، أى: نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا: ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير، وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات. ونحوه قوله تعالى {يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أى: وظهر كفرهم بعد أن أسلموا. ونحوه قوله تعالى {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ} والثاني آمنوا: أى نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام، كقوله تعالى {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله تعالى {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} والثالث: أن يراد أهل الردة منهم. وقرئ: فطبع على قلوبهم. وقرأ زيد بن على: فطبع الله.