الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة التحريم

صفحة 565 - الجزء 4

  وكان مسروق لا يراه شيئا ويقول: ما أبالى أحرمتها أم قصعة من ثريد، وكذلك عن الشعبي قال: ليس بشيء، محتجا بقوله تعالى {وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ} وقوله تعالى {لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} وما لم يحرّمه الله تعالى فليس لأحد أن يحرّمه ولا أن يصير بتحريمه حراما، ولم يثبت عن رسول الله ÷ أنه قال لما أحله الله: هو حرام علىّ، وإنما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه، وهو قوله #: والله لا أقربها بعد اليوم، فقيل له: {لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ} أى لم تمتنع منه بسبب اليمين، يعنى: أقدم على ما حلفت عليه، وكفر عن يمينك. ونحوه قوله تعالى {وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ} أى، منعناه منها. وظاهر قوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ} أنه كانت منه يمين. فإن قلت: هل كفر رسول الله ÷ لذلك؟ قلت: عن الحسن: أنه لم يكفر، لأنه كان مغفورا له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن مقاتل: أنّ رسول الله ÷ أعتق رقبة في تحريم مارية {وَاللهُ مَوْلاكُمْ} سيدكم ومتولى أموركم {وَهُوَ الْعَلِيمُ} بما يصلحكم فيشرعه لكم {الْحَكِيمُ} فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما توجبه الحكمة. وقيل: مولاكم أولى بكم من أنفسكم، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم.

  {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ٣}

  {بَعْضِ أَزْواجِهِ} حفصة. والحديث الذي أسر إليها: حديث مارية وإمامة الشيخين نبأت به أفشته إلى عائشة. وقرئ: أنبأت به {وَأَظْهَرَهُ} وأطلع النبي # {عَلَيْهِ} على الحديث، أى: على إفشائه على لسان جبريل. وقيل: أظهر الله الحديث على النبي ÷ من الظهور {عَرَّفَ بَعْضَهُ} أعلم ببعض الحديث تكرما. قال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام. وقرئ: عرف بعضه، أى: جاز عليه، من قولك للمساء: لأعرفن لك ذلك، وقد عرفت ما صنعت. ومنه: أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم، وهو كثير في القرآن، وكان جزاؤه تطليقه إياها. وقيل: المعرف: حديث الإمامة، والمعرض عنه: حديث مارية: وروى