الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة التحريم

صفحة 568 - الجزء 4

  فلم يكن بد من الواو.

  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ٦ يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٧}

  {قُوا أَنْفُسَكُمْ} بترك المعاصي وفعل الطاعات {وَأَهْلِيكُمْ} بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم. وفي الحديث «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة» وقيل: إنّ أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله. وقرئ: وأهلوكم، عطفا على واو {قُوا} وحسن العطف للفاصل. فإن قلت: أليس التقدير: قوا أنفسكم، وليق أهلوكم أنفسهم؟ قلت: لا، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو، وأنفسكم واقع بعده، فكأنه قيل: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه، فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب {ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ} نوعا من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة، كما يتقد غيرها من النيران بالحطب. وعن ابن عباس ®: هي حجارة الكبريت، وهي أشدّ الأشياء حرا إذا أو قد عليها. وقرئ: وقودها بالضم، أى ذو وقودها {عَلَيْها} يلي أمرها وتعذيب أهلها {مَلائِكَةٌ} يعنى الزبانية التسعة عشر وأعوانهم {غِلاظٌ شِدادٌ} في أجرامهم غلظة وشدّة، أى: جفاء وقوّة. أو في أفعالهم جفاء وخشونة، لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والغضب له والانتقام من أعدائه {ما أَمَرَهُمْ} في محل النصب على البدل، أى: لا يعصون ما أمر الله. أى: أمره، كقوله تعالى {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} أو لا يعصونه فيما أمرهم. فإن قلت: أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا، فإنّ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها. ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون