الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة التحريم

صفحة 570 - الجزء 4

  خروقك في دينك، وترم خلك. وقيل: خالصة، من قولهم: عسل ناصح إذا خلص من الشمع. ويجوز أن يراد: توبة تنصح الناس، أى: تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها، واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضياتها. وقرأ زيد بن على: توبا نصوحا. وقرئ: نصوحا بالضم، وهو مصدر نصح. والنصح والنصوح، كالشكر والشكور، والكفر والكفور أى: ذات نصوح. أو تنصح نصوحا. أو توبوا لنصح أنفسكم على أنه مفعول له {عَسى رَبُّكُمْ} إطماع من الله لعباده، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل. ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. والثاني: أن يجيء به تعليما العباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء، والذي يدل على المعنى الأول وأنه في معنى البت: قراءة ابن أبى عبلة: ويدخلكم بالجزم، عطفا على محل {عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ} كأنه قيل: توبوا يوجب لكم تكفير سيئاتكم ويدخلكم {يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ} نصب بيدخلكم، ولا يخزى: تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق، واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم {يَسْعى نُورُهُمْ} على الصراط {أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} قال ابن عباس: يقولون ذلك إذا طفئ نور المنافقين إشفاقا. وعن الحسن: الله متممه لهم ولكنهم يدعون تقربا إلى الله، كقوله تعالى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} وهو مغفور له. وقيل: يقوله أدناهم منزلة، لأنهم يعطون من النور قدر ما يبصرون به مواطئ أقدامهم، لأنّ النور على قدر الأعمال فيسألون إتمامه تفضلا. وقيل: السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم حبوا وزحفا، فأولئك الذين يقولون {رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} فإن قلت: كيف يشفقون والمؤمنون آمنون، {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ}. {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}، {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} أو كيف يتقربون وليست الدار دار تقرّب؟ قلت: أما الإشفاق فيجوز أن يكون على عادة البشرية وإن كانوا معتقدين الأمن. وأما التقرّب فلما كانت حالهم كحال المتقربين حيث يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة: سماه تقرّبا.

  {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٩}

  {جاهِدِ الْكُفَّارَ} بالسيف {وَالْمُنافِقِينَ} بالاحتجاج، واستعمل الغلظة والخشونة على