الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الملك

صفحة 576 - الجزء 4

  الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل {الْغَفُورُ} لمن تاب من أهل الإساءة {طِباقاً} مطابقة بعضها فوق بعض، من طابق النعل: إذا خصفها طبقا على طبق، وهذا وصف بالمصدر. أو على ذات طباق، أو على: طوبقت طباقا {مِنْ تَفاوُتٍ} وقرئ: من تفوت. ومعنى البناءين واحد، كقولهم: تظاهروا من نسائهم. وتظهروا. وتعاهدته وتعهدته، أى: من اختلاف واضطراب في الخلقة ولا تناقض، إنما هي مستوية مستقيمة. وحقيقة التفاوت: عدم التناسب، كأن بعض الشيء يفوت بعضا ولا يلائمه. ومنه قولهم: خلق متفاوت. وفي نقيضه: متناصف. فإن قلت: كيف موقع هذه الجملة مما قبلها؟ قلت: هي صفة مشايعة لقوله {طِباقاً} وأصلها: ما ترى فيهنّ من تفاوت، فوضع مكان الضمير قوله {خَلْقِ الرَّحْمنِ} تعظيما لخلقهنّ، وتنبيها على سبب سلامتهنّ من التفاوت: وهو أنه خلق الرحمن، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب، والخطاب في ما ترى للرسول أو لكل مخاطب. وقوله تعالى {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} متعلق به على معنى التسبيب، أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهنّ، ثم قال {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة، ولا تبقى معك شبهة فيه {هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ} من صدوع وشقوق: جمع فطر وهو الشق. يقال: فطره فانفطر. ومنه: فطر ناب البعير، كما يقال: شق وبزل. ومعناه: شق اللحم فطلع. وأمره بتكرير البصر فيهنّ متصفحا ومتتبعا يلتمس عيبا وخللا {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ} أى إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور، أى: بالبعد عن إصابة الملتمس. كأنه يطرد عن ذلك طردا بالصغار والقماءة. وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والبرديد. فإن قلت: كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرّتين اثنتين؟ قلت: معنى التثنية التكرير بكثرة، كقولك: لبيك وسعديك، تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض، وقولهم في المثل: دهدرّين سعد القين من ذلك. أى: باطلا بعد باطل. فإن قلت: فما معنى ثم ارجع؟ قلت: أمره يرجع