الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المزمل

صفحة 641 - الجزء 4

  الحسن: أنه أمسى صائما، فأتى بطعام، فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعه، ووضع عنده الليلة الثانية، فعرضت له، فقال: ارفعه، وكذلك الليلة الثالثة، فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء، فجاءوا فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق {يَوْمَ تَرْجُفُ} منصوب بما في لدينا. والرجفة: الزلزلة والزعزعة الشديدة. والكثيب: الرمل المجتمع من كثب الشيء إذا جمعه، كأنه فعيل بمعنى مفعول في أصله. ومنه الكثبة من اللبن، قالت الضائنة: أجز جفالا وأحلب كثبا عجالا، أى: كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا، أى: نثر وأسيل.

  {إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ١٥ فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً ١٦}

  الخطاب لأهل مكة {شاهِداً عَلَيْكُمْ} يشهد عليكم يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم. فإن قلت: لم نكر الرسول ثم عرف؟ قلت: لأنه أراد: أرسلنا إلى فرعون بعض الرسل، فلما أعاده وهو معهود بالذكر أدخل لام التعريف إشارة إلى المذكور بعينه {وَبِيلاً} ثقيلا غليظا، من قولهم: كلأ وبيل وخم لا يستمرأ لثقله. والوبيل: العصا الضخمة. ومنه الوابل للمطر العظيم.

  {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ١٧ السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ١٨}

  {يَوْماً} مفعول به، أى: فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له، إن بقيتم على الكفر. ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا. ويجوز أن يكون ظرفا، أى: فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا. ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم، أى فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء: لأن تقوى الله خوف عقابه {يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً} مثل في الشدة يقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأطفال. والأصل فيه: أنّ الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان. أسرع فيه الشيب. قال أبو الطيب:

  والهمّ يخترم الجسيم نحافة ... ويشيب ناصية الصّبىّ ويهرم