الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المدثر

صفحة 650 - الجزء 4

  فإن قلت: ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها؟ قلت، الدلالة على أنه قد تأتى في التأمّل وتمهل، وكأنّ بين الأفعال المنناسقة تراخ وتباعد. فإن قلت: فلم قيل {فَقالَ إِنْ هذا} بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت: لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث. فإن قلت: فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟ قلت: لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد.

  {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ٢٦ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ ٢٧ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ٢٨ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ٢٩ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ٣٠ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ ٣١}

  {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} بدل من {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً}. {لا تُبْقِي} شيئا يلقى فيها إلا أهلكته، وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد. أو لا تبقى على شيء ولا تدعه من الهلاك، بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة {لَوَّاحَةٌ} من لوح الهجير. قال:

  تقول ما لاحك يا مسافر ... يا ابنة عمّى لاحنى الهواجر

  قيل. تلفح الجلد لفحة فتدعه أشدّ سوادا من الليل. والبشر: أعالى الجلود. وعن الحسن. تلوح للناس، كقوله {ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ} وقرئ: لواحة، نصبا على الاختصاص للتهويل {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} أى يلي أمرها ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكا. وقيل: صنفا من الملائكة. وقيل: صفة. وقيل: نقيبا. وقرئ: تسعة عشر، بسكون العين لتوالى الحركات في ما هو في حكم