الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإنسان

صفحة 666 - الجزء 4

  {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ٢}

  {نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ} كبرمة أعشار، وبرد أكياش: وهي ألفاظ مفردة غير جموع، ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضا: نطفة مشج، قال الشماخ:

  طوت أحشاء مرتجة لوقت ... على مشج سلالته مهين

  ولا يصحّ أمشاج أن يكون تكسيرا له، بل هما مثلان في الإفراد، لوصف المفرد بهما.

  ومشجه ومزجه: بمعنى. والمعنى من نطفة قد امتزج فيها الماءان. وعن ابن مسعود: هي عروق النطفة. وعن قتادة: أمشاج ألوان وأطوار، يريد: أنها تكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة {نَبْتَلِيهِ} في موضع الحال، أى: خلقناه مبتلين له، بمعنى: مريدين ابتلاءه، كقولك: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، تريد: قاصدا به الصيد غدا. ويجوز أن يراد: ناقلين له من حال إلى حال، فسمى ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة. وعن ابن عباس: نصرفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة. وقيل: هو في تقدير التأخير، يعنى: فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، وهو من التعسف.

  {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ٣}

  شاكرا وكفورا: حالان من الهاء في هديناه، أى: مكناه وأقدرناه في حالتيه جميعا. أو دعوناه إلى الإسلام بأدلة العقل والسمع: كان معلوما منه أنه يؤمن أو يكفر، لإلزام الحجة. ويجوز أن يكونا حالين من السبيل، أى: عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا كقوله {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز. وقرأ أبو السمال بفتح الهمزة