الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة عم يتساءلون

صفحة 689 - الجزء 4

  حقيبة الراكب، والحقب الذي وراء التصدير وقيل: الحقب ثمانون سنة، ويجوز أن يراد: لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب. وفيه وجه آخر: وهو أن يكون من «حقب عامنا» إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان: إذا أخطأه الرزق، فهو حقب، وجمعه أحقاب، فينتصب حالا عنهم، يعنى لابثين فيها حقيبين جحدين. وقوله {لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً} تفسير له والاستثناء منقطع، يعنى: لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حرّ النار، ولا شرابا يسكن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا وقيل «البرد» النوم، وأنشد:

  فلو شئت حرّمت النّساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

  وعن بعض للعرب: منع البرد البرد. وقرئ: غساقا، بالتخفيف والتشديد: وهو ما يغسق، أى: يسيل من صديدهم {وِفاقاً} وصف بالمصدر. أو ذا وفاق. وقرأ أبو حيوة: وفاقا، فعال من وفقه كذا {كِذَّاباً} تكذيبا، وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله. وقرئ بالتخفيف، وهو مصدر كذب، بدليل قوله:

  فصدقتها وكذبتها ... والمرء ينفعه كذابه

  وهو مثل قوله {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً} يعنى: وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا. أو تنصبه بكذبوا، لأنه يتضمن معنى كذبوا، لأنّ كل مكذب بالحق كاذب، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه: وكذبوا بآياتنا، فكاذبوا مكاذبة. أو كذبوا بها مكاذبين، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة. أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر، فيبلغ فيه أقصى جهده. وقرئ: كذابا، وهو جمع كاذب، أى: كذبوا