الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الانشقاق

صفحة 727 - الجزء 4

  الفجار الذين لا يهمهم أمر الآخرة ولا يفكرون في العواقب، ولم يكن كئيبا حزينا متفكرا كعادة الصلحاء والمتقين وحكاية الله عنهم {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ}. {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} لن يرجع إلى الله تعالى تكذيبا بالمعاد. يقال: لا يحور ولا يحول، أى: لا يرجع ولا يتغير. قال لبيد:

  يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

  وعن ابن عباس: ما كنت أدرى ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حورى، أى: ارجعي {بَلى} إيجاب لما بعد النفي في {لَنْ يَحُورَ} أى: بلى ليحورنّ {إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً} وبأعماله لا ينساها ولا تخفى عليه، فلا بدّ أن يرجعه ويجازيه عليها. وقيل: نزلت الآيتان في أبى سلمة بن عبد الأشدّ وأخيه الأسود بن عبد الأشد.

  {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ١٦ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ ١٧ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ١٨ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ١٩}

  الشفق: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما يروى عن أبى حنيفة ¥ في إحدى الروايتين: أنه البياض. وروى أسد بن عمرو: أنه رجع عنه، سمى لرقته. ومنه الشفقة على الإنسان: رقة القلب عليه {وَما وَسَقَ} وما جمع وضم، يقال: وسقه فاتسق واستوسق. قال:

  مستوسقات لو يجدن سائقا

  ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين: اتسع واستوسع. ومعناه: وما جمعه وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها {إِذَا اتَّسَقَ} إذا اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة. قرئ: لتركبن، على خطاب الإنسان في {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ} ولتركبن، بالضم على خطاب الجنس، لان النداء للجنس، ولتركبن بالكسر على خطاب النفس، وليركبن بالياء على: ليركبن