الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة البروج

صفحة 731 - الجزء 4

  فقالت له: ابسط فيهم السوط، فلم يقبلوا، فقالت له: ابسط فيهم السيف، فلم يقبلوا، فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران وطرح من أبى فيها، فهم الذين أرادهم الله بقوله {قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ} وقيل: وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى #، فدعاهم فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من حمير، فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا، فأحرق منهم اثنى عشر ألفا في الأخاديد. وقيل: سبعين ألفا، وذكر أنّ طول الأخدود: أربعون ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا. وعن النبي ÷ أنه كان إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء {النَّارِ} بدل اشتمال من الأخدود {ذاتِ الْوَقُودِ} وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس، وقرئ: الوقود، بالضم {إِذْ} ظرف لقتل، أى لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها. ومعنى {عَلَيْها} على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كقوله:

  وبات على النّار النّدى والمحلّق

  وكما تقول: مرت عليه، تريد: مستعليا لمكان يدنو منه، ومعنى شهادتهم على إحراق المؤمنين: أنهم وكلوا بذلك وجعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أنّ أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب. ويجوز أن يراد: أنهم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين، يؤدّون شهادتهم يوم القيامة {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}. {وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ} وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان، كقوله:

  ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

  قال ابن الرقيات:

  ما نقموا من بنى أميّة إلّا ... أنّهم يحلمون إن غضبوا