الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأعلى

صفحة 739 - الجزء 4

  قراءته في الصلاة، فحسب أبى أنها نسخت، فسأله فقال: نسيتها. أو قال: إلا ما شاء الله، الغرض نفى النسيان رأسا كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله ولا يقصد استثناء شيء وهو من استعمال القلة في معنى النفي. وقيل: قوله {فَلا تَنْسى} على النهى، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله {السَّبِيلَا} يعنى: فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه، إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ} يعنى أنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل # مخافة التفلت، والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، فلا تفعل، فأنا أكفيك ما تخافه. أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم، وما ظهر وبطن من أحوالكم، وما هو مصلحة لكم في دينكم ومفسدة فيه، فينسى من الوحى ما يشاء، ويترك محفوظا ما يشاء.

  {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى ٨ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ٩ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى ١٠ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ١١ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ١٢ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ١٣}

  {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى} معطوف على {سَنُقْرِئُكَ} وقوله {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى} اعتراض ومعناه: ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، يعنى: حفظ الوحى. وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذا. وقيل: نوفقك لعمل الجنة. فإن قلت: كان الرسول ÷ مأمورا بالذكرى نفعت أو لم تنفع، فما معنى اشتراط النفع؟ قلت: هو على وجهين، أحدهما: أنّ رسول الله ÷ قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّا وطغيانا، وكان النبي ÷ يتلظى حسرة وتلهفا، ويزداد جدا في تذكيرهم وحرصا عليه، فقيل له {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ}، {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ}، {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى} وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير. والثاني: أن يكون ظاهره شرطا، ومعناه ذمّا للمذكرين، وإخبارا عن حالهم، واستبعادا لتأثير الذكرى فيهم، وتسجيلا عليهم بالطبع على قلوبهم، كما تقول للواعظ: عظ المكاسين إن سمعوا منك. قاصدا بهذا الشرط استبعاد ذلك، وأنه لن يكون {سَيَذَّكَّرُ} فيقبل التذكرة