الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة البلد

صفحة 756 - الجزء 4

  الذي هو أصل كل طاعة، وأساس كل خير، بل غمط النعم وكفر بالمنعم. والمعنى: أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضى النافع عند الله، لا أن يهلك مالا لبدا في الرياء والفخار، فيكون مثله {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ...} الآية. فإن قلت: قلما تقع «إلا» الداخلة على الماضي إلا مكررة، ونحو قوله:

  فأىّ أمر سيّئ لأفعله

  لا يكاد يقع، فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح؟ قلت: هي متكررة في المعنى، لأن معنى {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فلا فك رقبة، ولا أطعم مسكينا. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. وقال الزجاج قوله: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} يدل على معنى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}، ولا آمن. والاقتحام: الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة. والقحمة: الشدة، وجعل الصالحة: عقبة، وعملها: اقتحاما لها، لما في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس. وعن الحسن: عقبة والله شديدة. مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوّه الشيطان. وفك الرقة: تخليصها من رق أو غيره. وفي الحديث: أن رجلا قال لرسول الله ÷: دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: تعتق النسمة وتفك الرقبة. قال: أو ليسا سواء؟ قال: لا، إعتاقها أن تنفرد بعتقها. وفكها: أن تعين في تخليصها من قود أو غرم. والعتق والصدقة: من أفاضل الأعمال. وعن أبى حنيفة رضى الله عنه: أن العتق أفضل من الصدقة. وعند صاحبيه: الصدقة أفضل، والآية أدل على قول أبى حنيفة، لتقديم العتق على الصدقة. وعن الشعبي في رجل عنده فضل نفقة: أيضعه في ذى قرابة، أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل، لأن النبي ÷ قال: «من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضوا منه من النار. قرئ: فك رقبة، أو إطعام على: هي فك رقبة، أو إطعام. وقرئ: فك رقبة، أو أطعم، على الإبدال من اقتحم العقبة. وقوله {وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ} اعتراض، ومعناه: أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله. والمسغبة، والمقربة، والمتربة: مفعلات من سغب: إذا جاع. وقرب في النسب، يقال: فلان ذو قرابتي. وذو مقربتى. وترب: إذا افتقر، ومعناه. التصق بالتراب. وأما أترب فاستغنى، أى: صار