الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الشمس

صفحة 760 - الجزء 4

  والتدسية ومتوليهما والتزكية: الإنماء والإعلاء بالتقوى. والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور. وأصل دسى: دسس، كما قيل في تقضض: تقضى. وسئل ابن عباس عنه فقال: أتقرأ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}، {وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً}. وأما قول من زعم أنّ الضمير في زكى ودسى لله تعالى، وأنّ تأنيث الراجع إلى من، لأنه في معنى النفس: فمن تعكيس القدرية الذين يورّكون على الله قدرا هو بريء منه ومتعال عنه، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه. فإن قلت: فأين جواب القسم؟ قلت: هو محذوف تقديره: ليدمدمنّ الله عليهم، أى: على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله ÷، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا. وأما {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها} فكلام تابع لقوله {فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها} على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء.

  {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ١١ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ١٢ فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها ١٣ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ١٤ وَلا يَخافُ عُقْباها ١٥}

  الباء في {بِطَغْواها} مثلها في: كتبت بالقلم. والطغوى من الطغيان: فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء، بأن قلبوا الياء واوا في الاسم، وتركوا القلب في الصفة، فقالوا: امرأة خزيي وصديى، يعنى: فعلت التكذيب بطغيانها، كما تقول: ظلمني بجرأته على الله. وقيل: كذبت بما أوعدت به من عذابها ذى الطغوىّ كقوله، {فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}، وقرأ الحسن: بطغواها، بضم الطاء كالحسنى والرجعى في المصادر {إِذِ انْبَعَثَ} منصوب بكذبت. أو بالطغوى. و {أَشْقاها} قدار بن سالف. ويجوز أن يكونوا جماعة، والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وكان يجوز أن يقال: أشقوها، كما تقول: أفاضلهم. والضمير في {لَهُمْ} يجوز أن يكون للأشقين والتفضيل في الشقاوة، لأنّ من تولى الفقر وباشره كانت شقاوته أظهر وأبلغ. و {ناقَةَ اللهِ} نصب على التحذير، كقولك الأسد الأسد، والصبى الصبى، بإضمار: ذروا أو احذروا عقرها {وَسُقْياها} فلا تزووها عنها، ولا