سورة البينة
  آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ٧ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ٨}
  كان الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأصنام يقولون قبل مبعث النبي ÷: لا ننفك مما نحن عليه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد ÷، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه ثم قال {وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} يعنى أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق: إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول ÷، ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه: لست بمنفك مما أنا فيه حتى يرزقني الله الغنى، فيرزقه الله الغنى فيزداد فسقا، فيقول واعظه: لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر، وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار: يذكره ما كان يقوله توبيخا وإلزاما. وانفكاك الشيء من الشيء. أن يزايله بعد التحامه به، كالعظم إذا انفك من مفصله، والمعنى: أنهم متشبثون بدينهم لا يتركونه إلا عند مجيء البينة. و {الْبَيِّنَةُ} الحجة الواضحة. و {رَسُولٌ} بدل من البينة. وفي قراءة عبد الله: رسولا، حالا من البينة {صُحُفاً} قراطيس {مُطَهَّرَةً} من الباطل {فِيها كُتُبٌ} مكتوبات {قَيِّمَةٌ} مستقيمة ناطقة بالحق والعدل؛ والمراد بتفرقهم: تفرقهم عن الحق وانقشاعهم عنه. أو تفرقهم فرقا، فمنهم من آمن، ومنهم من أنكر وقال: ليس به، ومنهم من عرف وعاند. فإن قلت: لم جمع بين أهل الكتاب والمشركين أوّلا ثم أفرد أهل الكتاب في قوله {وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}؟ قلت: لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف {وَما أُمِرُوا} يعنى في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، ولكنهم حرفوا وبدلوا {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أى دين الملة القيمة. وقرئ: وذلك الدين القيمة، على تأويل الدين بالملة. فإن قلت: ما وجه قوله {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ}؟ قلت: معناه: وما أمروا بما في الكتابين إلا لأجل أن يعبدوا الله على هذه الصفة. وقرأ ابن مسعود: إلا أن يعبدوا، بمعنى: بأن يعبدوا. قرأ نافع: البريئة