الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة النصر

صفحة 812 - الجزء 4

  من المعصية، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفا لأمته، ولأنّ الاستغفار من التواضع لله وهضم النفس، فهو عبادة في نفسه. وعن النبي ÷: «إنى لأستغفر في اليوم والليلة مائة مرة» وروى أنه لما قرأها رسول الله ÷ على أصحابه استبشروا وبكى العباس، فقال رسول الله ÷: «ما يبكيك يا عم»؟ قال: نعيت إليك نفسك. قال: «إنها لكما تقول» فعاش بعدها سنتين لم يرفيهما ضاحكا مستبشرا. وقيل: إن ابن عباس هو الذي قال ذلك، فقال رسول الله ÷، «لقد أوتى هذا الغلام علما كثيرا» وروى أنها لما نزلت خطب رسول الله ÷ فقال: «إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء الله» فعلم أبو بكر رضى الله عنه، فقال: فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا. وعن ابن عباس أن عمر ® كان يدنيه ويأذن له مع أهل بدر، فقال عبد الرحمن: أتأذن لهذا الفتى معنا وفي أبنائنا من هو مثله؟ «فقال إنه ممن قد علمتم» قال ابن عباس: فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن قول الله تعالى {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ} ولا أراه سألهم إلا من أجلى، فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه، فقلت: ليس كذلك، ولكن نعيت إليه نفسه، فقال عمر: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم، ثم قال: كيف تلومونني عليه بعد ما ترون؟ وعن النبي ÷ أنه دعا فاطمة ^ فقال: «يا بنتاه إنه نعيت إلىّ نفسي، فبكت، فقال: لا تبكى، فإنك أوّل أهلى لحوقا بي» وعن ابن مسعود أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع {كانَ تَوَّاباً} أى كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين توابا عليهم إذا استغفروا، فعلى كل مستغفر، أن يتوقع مثل ذلك.