الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة البقرة

صفحة 35 - الجزء 1

  ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة: وقرأ أبو الشعثاء: (لا ريب فيه) بالرفع: والفرق بينها وبين المشهورة، أنّ المشهورة توجب الاستغراق، وهذه تجوّزه. والوقف على: {فِيهِ} هو المشهور. وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على: {لا رَيْبَ} ولا بد للواقف من أن ينوى خبرا. ونظيره قوله تعالى: {قالُوا لا ضَيْرَ}، وقول العرب: لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز. والتقدير: لا ريب فيه.

  {فِيهِ هُدىً} الهدى مصدر على فعل، كالسرى والبكى، وهو الدلالة الموصلة إلى البغية، بدليل وقوع الضلالة في مقابلته. قال الله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى}. وقال تعالى: {لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. ويقال: مهدى، في موضع المدح كمهتد؛ ولأن اهتدى مطلوع هدى - ولن يكون المطاوع في خلاف معنى أصله - ألا ترى إلى نحو: غمه فاغتم، وكسره فانكسر، وأشباه ذلك: فإن قلت: فلم قيل: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} والمتقون مهتدون؟ قلت: هو كقولك للعزيز المكرم: أعزك الله وأكرمك، تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه واستدامته، كقوله: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}. ووجه آخر، وهو أنه سماهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى: متقين، كقول رسول الله ÷ «من قتل قتيلا فله سلبه» وعن ابن عباس: «إذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض وتضل الضالة، وتكتفّ الحاجة» فسمى المشارف للقتل والمرض والضلال: