الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 8 - الجزء 2

  عَلَيْهِمْ} ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، فإنهم يقولون. إذا رأوا الملك في صورة إنسان: هذا إنسان وليس بملك، فإن قال لهم: الدليل على أنى ملك أنى جئت بالقرآن المعجز، وهو ناطق بأنى ملك لا بشر - كذبوه كما كذبوا محمداً ÷، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن، فهو ليس الله عليهم. ويجوز أن يراد: {وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ} حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة: وقرأ ابن محيصن: ولبسنا عليهم، بلام واحدة. وقرأ الزهري: وللبسنا عليهم ما يلبسون، بالتشديد.

  {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ١٠}

  {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} تسلية لرسول الله ÷ عما كان يلقى من قومه {فَحاقَ} بهم فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزؤن به وهو الحق، حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به

  {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ١١}

  فإن قلت: أى فرق بين قوله {فَانْظُروا} وبين قوله {ثُمَّ انْظُرُوا} قلت: جعل النظر مسبباً عن السير في قوله {فَانْظُروا} فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا} فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين. ونبه على ذلك بثم، لتباعد ما بين الواجب والمباح.

  [سورة الأنعام (٦): آية ١٢]

  {قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ١٢}

  {لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} سؤال تبكيت، و {قُلْ لِلَّهِ} تقرير لهم، أى هو - الله - لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره {كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أى أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته، ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم مقرون