الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 84 - الجزء 2

  وقرئ: قيما. والقيم: مصدر بمعنى القيام وصف به. و {مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} عطف بيان. و {حَنِيفاً} حال من إبراهيم.

  {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ١٦٢ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ١٦٣}

  {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} وعبادتي وتقرّبى كله. وقيل: وذبحى. وجمع بين الصلاة والذبح كما في قوله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وقيل: صلاتي وحجى من مناسك الحج {وَمَحْيايَ وَمَماتِي} وما آتيه في حياتي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح {لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} خالصة لوجهه {وَبِذلِكَ} من الإخلاص {أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} لأن إسلام كل نبىّ متقدّم لإسلام أمّته.

  {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ١٦٤}

  {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا} جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم، والهمزة للإنكار، أى منكر أن أبغى ربا غيره {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} فكل من دونه مربوب ليس في الوجود من له الربوبية غيره، كما قال {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}، {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها} جواب عن قولهم {اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ}.

  {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١٦٥}

  {جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} لأن محمداً ÷ خاتم النبيين فحلفت أمّته سائر الأمم. أو جعلهم يخلف بعضهم بعضاً. أو هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} في الشرف والرزق {لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ} من نعمة المال والجاه، كيف تشكرون تلك النعمة، وكيف يصنع الشريف بالوضيع، والحرّ بالعبد، والغنى بالفقير {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ} لمن كفر نعمته {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن قام يشكرها. ووصف العقاب بالسرعة، لأن ما هو آت قريب.