سورة الأعراف
  مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ} وسمى الشك حرجاً، لأن الشاك ضيق الصدر حرجه، كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه. أى لا تشك في أنه منزل من الله، ولا تحرج من تبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم، فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فأمّته الله ونهاه عن المبالاة بهم. فإن قلت: بم تعلق قوله {لِتُنْذِرَ}؟ قلت: بأنزل، أى أنزل إليك لإنذارك به أو بالنهى، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار، لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه، متكل على عصمته. فإن قلت: فما محل ذكرى؟ قلت: يحتمل الحركات الثلاث. والنصب بإضمار فعلها. كأنه قيل: لتنذر به وتذكر تذكيرا لأن الذكرى اسم بمعنى التذكير، والرفع عطفاً على كتاب، أو بأنه خبر مبتدإ محذوف. والجر للعطف على محل أن تنذر، أى للإنذار وللذكر. فإن قلت: النهى في قوله {فَلا يَكُنْ} متوجه إلى الحرج فما وجهه؟ قلت: هو من قولهم: لا أرينك هاهنا.
  {اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ ٣}
  {اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} من القرآن والسنة {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ} من دون الله {أَوْلِياءَ} أى ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين الله وما أنزل إليكم، وأمركم باتباعه. وعن الحسن: يا ابن آدم، أمرت باتباع كتاب الله وسنة محمد ÷. والله ما نزلت آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم نزلت وما معناها. وقرأ مالك بن دينار: ولا تبتغوا، من الابتغاء {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً}. ويجوز أن يكون الضمير في {مِنْ دُونِهِ} لما أنزل، على: ولا تتبعوا من دون دين الله دين أولياء {قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ} حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره. وقرى: تذكرون، بحذف التاء. ويتذكرون، بالياء. و {قَلِيلاً}: نصب يتذكرون، أى تذكرون تذكرا قليلا. و {ما} مزيدة لتوكيد القلة.
  {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ ٤}