الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأعراف

صفحة 189 - الجزء 2

  {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أى تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله {عِبادٌ أَمْثالُكُمْ} وقوله {عِبادٌ أَمْثالُكُمْ} استهزاء بهم، أى قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم. ثم أبطل أن يكونوا عباداً أمثالهم فقال {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها} وقيل: عباد أمثالكم مملوكون أمثالكم. وقرأ سعيد بن جبير: إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم بتخفيف إن ونصب عباداً أمثالكم، والمعنى: ما الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم، على إعمال «إن» النافية عمل «ما» الحجازية {قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ} واستعينوا بهم في عداوتي {ثُمَّ كِيدُونِ} جميعاً أنتم وشركاؤكم {فَلا تُنْظِرُونِ} فإنى لا أبالى بكم، ولا يقول هذا إلا واثق بعصمة الله، وكانوا قد خوّفوه آلهتهم فأمر أن يخاطبهم بذلك، كما قال قوم هود له: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ} قال لهم: {أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ}.

  {إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ١٩٦ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ١٩٧}

  {إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ} أى ناصري عليكم الله {الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ} الذي أوحى إلىّ كتابه وأعزنى برسالته {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم.

  {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ١٩٨}

  {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} يشبهون الناظرين إليك، لأنهم صوّروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه {وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} وهم لا يدركون المرئىّ

  {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ١٩٩}

  {الْعَفْوَ} ضد الجهد: أى خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم، وتسهل من غير كلفة، ولا تداقهم، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا، كقوله ÷ «يسروا ولا تعسروا» قال:

  خذي العفو منى تستديمى مودّتى ... ولا تنطقى في سورتي حين أغضب