سورة التوبة
  شجاعته ورباطة جأشه ÷، وما هي إلا من آيات النبوّة، وقال: يا رب ائتني بما وعدتني. وقال ÷ للعباس - وكان صيتا: صيح بالناس، فنادى الأنصار فخذاً فخذاً، ثم نادى: يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب البقرة، فكرّوا عنقاً واحداً وهم يقولون: لبيك لبيك، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق، فنظر رسول الله ÷ إلى قتال المسلمين فقال: هذا حين حمى الوطيس، ثم أخذ كفا من تراب فرماهم به ثم قال: انهزموا ورب الكعبة فانهزموا، قال العباس: لكأنى أنظر إلى رسول الله ÷ يركض. خلفهم على بغلته {بِما رَحُبَتْ} ما مصدرية، والباء بمعنى مع، أى مع رحبها وحقيقته ملتبسة برحبها، على أنّ الجارّ والمجرور في موضع الحال، كقولك: دخلت عليه بثياب السفر، أى ملتبسا بها لم أحلها، تعنى مع ثياب السفر. والمعنى: لا تجدون موضعا تستصلحونه لهربكم إليه ونجاتكم لفرط الرعب، فكأنها ضاقت عليكم {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ثم انهزمتم {سَكِينَتَهُ} رحمته التي سكنوا بها وآمنوا {وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} الذين انهزموا. وقيل: هم الذين ثبتوا مع رسول الله ÷ حين وقع الهرب {وَأَنْزَلَ جُنُوداً} يعنى الملائكة، وكانوا ثمانية آلاف، وقيل خمسة آلاف، وقيل ستة عشر ألفا {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالقتل والأسر، وسبى النساء والذراري {ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ} أى يسلم بعد ذلك ناس منهم. وروى أنّ ناسا منهم جاءوا فبايعوا رسول الله ÷ على الإسلام وقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبى أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. قيل: سى يومئذ ستة آلاف نفس، وأخذ من الإبل والغنم مالا يحصى، فقال: إنّ عندي ما ترون، إنّ خير القول أصدقه، اختاروا: إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم. قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا. فقام رسول الله ÷ فقال: إن هؤلاء جاءوا مسلمين، وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده شيء وطابت نفسه أن يردّه فشأنه، ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه. قالوا: رضينا وسلمنا، فقال: إنى لا أدرى لعل فيكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا، فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا.