إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(2) شرح إعراب سورة البقرة

صفحة 47 - الجزء 1

  رأيتك السّماء تمطر عليك، ويقال: كيف قال «عدوّ» ولم يقل: أعداء؟ ففي هذا جوابان: أحدهما أنّ بعضا وكلّا يخبر عنهما بالواحد وذلك في القرآن قال الله جلّ وعزّ: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ}⁣[مريم: ٩٥] وقال: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}⁣[النمل: ٨٧] والجواب الآخر أنّ عدوّا يفرد في موضع الجمع. قال الله جلّ وعزّ: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ}⁣[الكهف: ٥٠] بمعنى أعداء {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} مرفوع بالابتداء.

  {وَمَتاعٌ} عطف عليه.

  {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ٣٧}

  {فَتَلَقَّى آدَمُ} رفع بفعله. {كَلِماتٍ} نصب بالفعل، وقرأ الأعمش: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ} مدغما. {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} «هو»: رفع بالابتداء و «التواب» خبره والجملة خبر إنّ، ويجوز أن يكون هو توكيدا للهاء، ويجوز أن يكون فاصلة، وحكى أبو حاتم: أنّ أبا عمرو وعيسى وطلحة قرءوا {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ} مدغما وإنّ ذلك لا يجوز لأن بين الهاءين واوا في اللفظ لا في الخط. قال أبو جعفر: أجاز سيبويه أن تحذف هذه الواو وأنشد: [الوافر]

  ١٧ - له زجل كأنّه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير⁣(⁣١)

  فعلى هذا يجوز الإدغام.

  {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ٣٨}

  {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً} نصب على الحال، وزعم الفراء⁣(⁣٢) أنه يقال: إنّما خوطب بهذا آدم وإبليس بعينه ويعني ذرّيته فكأنه خاطبهم كما قال: {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ}⁣[فصلت: ١١] أي أتينا بما فينا، وقال غير الفراء: يكون مخاطبة لآدم # وحواء والحية، ويجوز أن يكون لآدم وحواء لأن الاثنين جماعة، ويجوز أن يكون إبليس ضمّ إليهما في المخاطبة. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} «ما» زائدة، والكوفيون يقولون صلة، والبصريون يقولون: فيها معنى التوكيد {يَأْتِيَنَّكُمْ} في موضع جزم بالشرط والنون مؤكدة وإذا دخلت «ما» شبهت بلام القسم فحسن المجيء بالنون وجواب الشرط الفاء


(١) الشاهد للشمّاخ في ديوانه ص ١٥٥، والخصائص ١/ ٣٧١، والدرر ١/ ١٨١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٣٧ والكتاب ١/ ٥٩، ولسان العرب (ها)، وبلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٥٦١، والأشباه والنظائر ٢/ ٣٧٩، وخزانة الأدب ٢/ ٣٨٨، ٥/ ٢٧٠، ٢٧١، ولسان العرب (زجل)، والمقتضب ١/ ٢٦٧، وهمع الهوامع ١/ ٥٩.

(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣١.