(42) شرح إعراب سورة حم عسق (الشورى)
  بالرفع {فَيُوحِيَ} بإسكان الياء، ولا نعلمه يروى إلّا عن نافع إلّا أنه قال: لم أقرأ حرفا يجتمع عليه رجلان من الأئمة فلهذا قال عبد الله بن وهب: قراءة نافع سنّة. قال أبو جعفر: فأما القول في نصب «يرسل» و «يوحي» ورفعهما فقد جاء به سيبويه عن الخليل بما فيه كفاية لمن تدبّره ونمليه نصا كما قال ليكون أشفى. قال سيبويه(١): سألت الخليل عن قول الله جلّ وعزّ: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ} فزعم أن النصب محمول على «أن» سوى هذه ولو كانت هذه الكلمة على «أن» هذه لم يكن للكلام وجه، ولكنه لما قال: {إِلَّا وَحْياً} كان في معنى إلّا أن يوحي وكان «أو يرسل» فعلا لا يجري على «إلّا» فأجري على «أن» هذه كأنه قال: إلّا أن يوحي أو يرسل؛ لأنه لو قال: إلّا وحيا وإلا أن يرسل كان حسنا: وكان أن يرسل بمنزلة الإرسال فحملوه على «أن» إذ لم يجز أن يقولوا: أو إلا يرسل فكأنه قال: إلّا وحيا أو أن يرسل. وقال الحصين بن حمام المرّي: [الطويل]
  ٤٠٤ - ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما(٢)
  يضمر «أن» وذلك لأنه امتنع أن يجعل الفعل على لولا فأضمر «أن» كأنه قال: لولا ذاك أو لولا أن أسؤك. وبلغنا أن أهل المدينة يرفعون هذه الآية {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} فكأنه - والله أعلم - قال الله لا يكلّم البشر إلّا وحيا أو يرسل رسولا أي في هذه الحال. وهذا كلامه إياهم، كما تقول العرب: تحيّتك الضرب، وعتابك السيف، وكلامك القتل، قال عمرو بن معدي كرب: [الوافر]
  ٤٠٥ - وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحيّة بينهم ضرب وجيع(٣)
  وسألت الخليل | عن قول الأعشى: [البسيط]
  ٤٠٦ - إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل(٤)
  فقال: الكلام هاهنا على قولك يكون كذا أو يكون كذا ما كان موضعها لو قال
(١) انظر الكتاب ٣/ ٥٥.
(٢) الشاهد للحصين في خزانة الأدب ٣/ ٣٢٤، والكتاب ٣/ ٥٥، والدرر ٤/ ٧٨، وشرح اختيارات المفضّل ٣٣٤، وشرح التصريح ٢/ ٢٤٤، وشرح المفصّل ٣/ ٥٠، والمقاصد النحوية ٤/ ٤١١، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١/ ٢٧٢، والمحتسب ١/ ٣٢٦، وهمع الهوامع ٢/ ١٠.
(٣) الشاهد لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ١٤٩، وخزانة الأدب ٩/ ٢٥٢، والكتاب ٢/ ٣٣٥، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٠٠، ونوادر أبي زيد ١٥٠، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١/ ٣٤٥، والخصائص ١/ ٣٦٨، وشرح المفصل ٢/ ٨٠، والمقتضب ٢/ ٢٠.
(٤) مرّ الشاهد رقم (١٥٦).