لباب الأكياس في توضيح معاني الأساس لعقائد الأكياس،

لا يوجد (معاصر)

فصل [في التحسين والتقبيح العقليين]

صفحة 14 - الجزء 1

  والحنابلةُ في آخرهما) أي فيما كان متعلّقاً للثواب آجلاً والعقاب آجلاً فقالوا كلهم: إنَّ العقلَ لا يدرك فيه حسناً ولا قبحاً؛ لما مرَّ من قاعدتهم المنهارة.

  قال (أئمتنا $ والمعتزلةُ وغيرهم، و) يستقلُ العقلُ بإدراكِ حُسْنِ الشيء (باعتبار) خامسٍ، وهو (كونه غير متعلق لأيِّ الأربعة) الاعتبارات المتقدمة، وذلك كالتمشي في الأرض ونحو ذلك من الأشياء المباحة التي لا مالك لها (فهو) أي هذا الاعتبار (من الحَسَنِ) أي: مما يحكم العقل بحُسنه، (خلافاً للأشعرية) فإنَّهم قالوا: لا يدرك العقل فيه حُسْناً ولا قُبْحاً؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولا يعلم ذلك إلا من الشرع.

  (لنا:) حجة على مخالفينا: (في جميع ذلك) الذي تقدم ذكره (تصويب العقلاء مَنْ مَدَحَ أو أَحْسَنَ إلى المحسنِ ولو تراخى) مدحُهُ وإحسانه بزمنٍ طويل (ومن ذمّ أو عاقبَ المسيء ولو تراخى) بزمن طويل أيضاً.

  (ولنا) حجة عليهم في الاعتبار الخامس: (عدم حكمهم) أي العقلاء (بأيِّها) أي: الأربعة وهي: المدح والثواب والذم والعقاب (في حق من استظل تحت شجرةٍ لا مالك لها، أو تناول شربةً من ماءٍ غير مُحَازٍ) فإن العقلاء يحكمون بأنه مباحٌ حسنٌ لعدم الضرر فيه على أحد.

  (قالوا) أي: الأشعرية ومن وافقهم: (لو سُلِّمَ على التَّنَزُّل⁣(⁣١) لم يُسلَّم في مسألتين:

  الأولى: وجوب شكر المُنْعِمِ) وهو الله سبحانه وتعالى؛ (لأنَّ النعمَ عندَ الله حقيرةٌ لسعة ملكه فيكون) الشكر الذي أوجبتموه بالعقل (كمن تصدَّق عليه المَلِكُ بلُقْمَةٍ، فإذا تحدثَ المُنْعَمُ بالشكر لأجلها عُدَّ ساخراً لا شاكراً) للملِك على تلك اللقمة.

  (الثانية: حكم الأشياء) التي خلقها الله تعالى باعتبار انتفاعنا بها (قبل ورود الشرع، فلا يُدرِكُ العقلُ فيها جهةَ حُسْنٍ ولا قبح، إذ هو تصرفٌ في ملك الغير بغير إذنه) فيُجوَّز مطابقة مراده ويجوَّز عدمها؛ لأن الأصل في مطلق الأفعال الحظر.


(١) أي لو سلمنا أنَّ العقلَ يدرك حسنَ الشيء أو قبحَهُ باعتبار تعلق المدح والثواب، والذم والعقاب آجلين على سبيل التنزل - أي: على جهة الجدل لا تسليم رجوع إلى قولكم -. تمت من كتاب عدة الأكياس.