(علم الكلام)
  (والجواب عن الأولى) وهي وجوب شكر المُنعِم: (أن اللُقْمَةَ حقيرةٌ عندهما) أي: عند الملِكِ والمحتاج (و) عند (السامع فيكون) المتحدث بشكرها (ساخراً، بخلاف نعم الله سبحانه وتعالى فإنَّها وإن كانت حقيرةً عند الله سبحانه وتعالى لسعة ملكه، فهي جليلةٌ عند الشاكر والسامع، فالمتحدِّثُ بالشكر عليها لا يُعَدُّ ساخراً) بل شاكراً فقياس نعم الله على اللُقْمة قياسٌ فاسدٌ، وإنّما مثال ذلك (كمن أعطاه مَلِكٌ قد ملكَ الأرضَ وجبالاً من الذهب بُدْرَةَ عَيْنٍ) والبدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار؛ (فإنَّ البَدْرَةَ عنده) أي الملك المعطِي (حقيرةٌ، وعندهما) أي الشاكر والسامع (جليلة) فالمتحدث بشكرها لا يعد ساخراً عند العقلاء، مع أن نعم الله أعظم وأجل من أن تقاس بذلك.
  (ولو سلَّمنا) لهم ما زعموه على استحالته (لزم أن يجعلوا للِهِ تعالى علواً كبيراً صفةَ نقصٍ، حيثُ أمر أن يُسْخَرَ به في قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى: ١١]؛ إذ ذلك) أي: الأمر بأن يُسْخَرَ به (صفة نقص عند العقلاء، مع أن استحقارهم لنعم الله تعالى رَدٌّ منهم لقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}[النساء: ٥٤]، وقوله تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}) [النساء: ١١٣] فوصف تعالى فضله على نبيه بالعِظَمِ، (ومن رَدَّ آيةً كفرَ بإجماع الأُمّةِ المعلوم، بل ذلك) أي: كفر من رَدَّ آيةً (معلوم من الدين ضرورةً) لأنه تكذيبٌ لله تعالى.
  (و) الجواب (عن الثانية:) وهي حكم الأشياء قبل ورود الشرع، أن نقول: (التمكينُ من أملاكه) لنا (مع خلق العقل المميِّزِ إِذْنٌ) منه تعالى لنا بالتصرف في أملاكه(١)، وكان ذلك (كالمُمَكِّن من أملاكه الناصب للعلامة فيما يؤخذ منها وما يترك، قال الله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: ٨] أي: بما ركب الله فيها من العقول ولم يفصل) تعالى بين إلهامِ الحسنِ في ملائمة الطبع وفي صفة الكمال، والقبحِ في منافرة الطبع وصفة النقص، وبين إلهامِ الحسنِ فيما يتعلق به في الآجل ثواب، والقبحِ فيما يتعلق به في الآجل عقاب.
(١) ومما يؤكد ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[البقرة: ٢٩].