فصل
  وأمَّا احتجاج الأشعرية: بأنَّ اسم الفاعل لا يُشتق إلَّا من المعنى القائم به فباطل إذ المعلوم عندنا وعندهم أنَّ الله سبحانه يُسمَّى خالقاً ورازقاً والخلق والرزق غير قائم بذاته، وأن من بيَّضَ شيئاً أو سوَّدَه يُسمى مبيِّضاً ومسوِّداً لفعله البياض والسواد وهما غير قائمين بذاته.
  وقالت (العدلية جميعاً وغيرهم: وهو) أي: القرآن الذي هو كلام الله (مُحْدَثٌ) أوجده الله تعالى بعد العدم.
  وقالت (الأشعرية والحشوية: بل) هو (قديم).
  وقالت (الحشوية: وهو هذا المتلُوُّ) في المحاريب فهو مع كونه حروفاً وأصواتاً قديمٌ عندهم، وقولهم هذا هو السبب الذي دعاهم إلى القول بالكلام النفسي؛ لأنهم لما قالوا بقدم القرآن اضطروا إلى القول بذلك؛ حيث لم يتم لهم الاستدلال على قدم الحروف المسموعة لظهور حدوثها ضرورة، فأُلجئوا حينئذٍ إلى القول بأن كلام الله معنى في نفس المتكلم.
  (قلنا: يلزم) من قولهم وجود (الثاني مع الله سبحانه كما مرَّ) في مسألة نفي الثاني، (فإن سُلِّم فما جَعْلُ أحد القديمين) وهو كلام الله سبحانه بزعمهم (كلاماً والآخر) وهو الله تعالى (مُتكلِّماً بأولى من العكس) وهو جَعْلُ الله كلاماً، والكلام مُتكلماً لاشتراكهما في القدم.
  (وأيضاً هو) أي: القرآن الذي هو كلام الله (مرتبٌ منظوم) من حروف مؤلفة بعضها بعد بعض (وما تقدم غيره دلَّ على حدوث ما بعده، وقد) أكده السمع حيث (قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢] الآية ... ونحوها) كقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: ٣] وقوله ÷: «ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي» وغير ذلك مما يدل على حدوث القرآن.