فصل
فصل
  (وهو) أي: القرآن (كلامُ اللهِ تعالى اتِّفاقاً).
  قال (أئمتنا $ والجمهور: وهو هذا المسموع) الذي يتلى في المحاريب والمساجد.
  وقالت (الأشعرية: بل) كلام الله (معنى في نفس المتكلم) الذي هو الله تعالى؛ لأن الكلام عندهم صفة ذاتية للمتكلم كالقادر والعالم والحي، وليس من قبيل الحروف والأصوات، وجعلوا هذه الحروف المسموعة دليلاً على تلك الصفة القائمة بالذات.
  وقالت (المطرفية: بل) كلام الله معنى (في نفس الَملَك، وهذا) المتْلُوُّ في المحاريب (عبارة عنه) أي: عمَّا في نفس المتكلم والمَلَك، كما زعمت الأشعرية والمطرفية.
  (لنا: قوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ}) [التوبة: ٦] والمعلوم أن الذي يسمعه حروف وأصوات، (و) أمَّا (المعنى) الذي زعمته الأشعرية والمطرفية فـ (ليس بمسموع).
  (قالوا: ذلك) أي: الكلام المسموع (مجاز) عن الحقيقة، وهو المعنى القائم بالنفس.
  واحتجت الأشعرية: بأن اسم الفاعل لا يشتق إلَّا من المعنى القائم بنفس الفاعل فيقال: أسود لِمَا حلَّ فيه السواد وأبيض لما حلَّ فيه البياض، فكذلك متكلم لمن حلَّ فيه الكلام.
  (قلنا:) قولكم هذا (خلاف الُمجمع عليه من أهل اللسان العربي) فإنَّهم لا يُطلقون اسم الفاعل كقائم ومتكلم إلَّا على من أحدث فعل القيام وفعل التكلم، وحينئذٍ فيكون صحة إطلاق اسم الفاعل متفرعة على حدوث الفعل الذي يشتق منه اسم الفاعل، (ولعدم الاحتياج إلى نصب القرينة عند إطلاقه على المسموع) فصح أنَّه كلامُ الله حقيقةً، وأمَّا المعنى الذي زعموه قائماً بالنفس فلا دليل لهم عليه، وإذا انتفى الدليل وجب نفيه، (ولو سُلِّمَ) أن الكلام المسموع مجازٌ (لزم أن يجعلوا للتفاسير ماله من الأحكام) من تحريم لمسها وقراءتها على الجنب والحائض (إذ هي عبارة عنه) أي عن كلام الله الذي زعموا أنه قائم بالنفس، فكما أن هذا المتلُوَّ عبارة عنه فكذلك التفاسير فيلزم أن يكون حكمهما سواءً (ولا قائل بذلك).