لباب الأكياس في توضيح معاني الأساس لعقائد الأكياس،

لا يوجد (معاصر)

فصل

صفحة 191 - الجزء 1

  قال #: (ولا دليل على ذلك) أي: على قولهم، وقد علمنا بالدليل القاطع بطلان الثواب بالمعصية، فلا يعود بعد التوبة إلا بدليل⁣(⁣١).

  (ولا تتم النجاة بها) أي: بالتوبة (إلا بعموم التوبة) من كل ذنب (اتفاقاً) بين العلماء.

  (وفي إسقاطها) أي: التوبة (لما خصَّ بها من الذنوب خلافٌ، الأصحُّ أنه لا يقع) إسقاط لعقاب تلك المعصية المخصوصة بالتوبة؛ (لأن الآيات الواردة) في التوبة (لا تدل إلَّا على العموم فقط، نحو قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}) [طه: ٨٢] فظاهرها عموم التوبة من كل ذنب.

  (ولا دليل على قبول توبة من خَصَّ بها بعض ذنوبه إلا قياسٌ⁣(⁣٢) معارَضٌ بمثله، فوجب طرحهما) أي القياسين المتعارضين (والرجوع إلى الآيات) الدالة على عموم التوبة (كما تقدم).

  (ولقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}) [النساء: ٣١] فشرط في تكفير السيئات اجتناب جميع الكبائر، ومن تاب من بعضها فهو مُصِرٌّ (والإصرار على بعض المعاصي من الكبائر) المحبطة للطاعات، (وهو غير مجتنب) لجميع الكبائر لأنه مُصِرٌ على بعضها (والآية) المذكورة (تدل على عدم المغفرة مع عدم اجتناب الكبائر) فثبت أن التوبة لا تصح من بعض الذنوب دون بعض، (ولقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِين}⁣[المائدة: ٣٧] والُمصِرُّ) على بعض الذنوب (غير مُتَّقٍ) لِلهِ تعالى فلا تُقبل توبته قطعاً.


(١) هذا وفي مسألة عود الحسنات ثلاثة أقوال: الأول: لا تعود مطلقاً، وهو قول الجمهور وأبي هاشم.

والثاني: تعود مطلقاً وهو قول أبي القاسم البلخي ومن معه ويؤيده كلام الناصر #. والثالث: تعود بتجدّد الاستحقاق، أي يتجدد له استحقاق الثواب في المستقبل من الزمان على طاعته الماضية حتى يصير كأنه فعلها وقت التوبة، وهذا القول للمهدي # وابن الملاحمي. قال النجري: وهو الموافق للقواعد والأصول، وهو أيضاً اللائق بالعدل.

(٢) أمَّا قياسهم فقالوا: لو لم تصح التوبة من ذنب دون ذنب آخر لزم في يهودي أسلم وهو عازم على غصب دراهم أن لا يصح إسلامه، فيبقى على حكم اليهودية، وذلك مخالف لإجماع الأمة.

وأمَّا القياس المعارض به فنقول: لو كانت التوبةُ من ذنبٍ دون ذنبٍ مقبولةٌ لزم فيمن قتل ولداً لغيره وأخذ مالَه أن يصح اعتذاره عن القتلِ دون أخذ المال فيبقى مُصِرَّاً، والمعلوم عند العقلاء أن مثل هذا الاعتذار لا يُقبل.