لباب الأكياس في توضيح معاني الأساس لعقائد الأكياس،

لا يوجد (معاصر)

فصل [في أحكام قدرة العبد]

صفحة 81 - الجزء 1

  وقالت (الصوفية والجهمية: لم يخلق لهم قدرة البتَّة) بل الله يصرّفهم كيفما شاء.

  (قلنا) رداً عليهم: (إمَّا أن يكون الله تعالى قادراً على أن يخلق لهم قدرة يُحدثون بها أفعالهم أو غيرَ قادر، ليس الثاني؛ لأنَّ اللهَ تعالى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، وإن كان الأول) وهو كونه تعالى قادراً على أن يخلق لهم قدرة (فقد فعل سبحانه) أي: خلق لهم قدرة يتصرفون بها كيفما شاءوا (بشهادة ضرورة العقل، وصريح القرآن حيث يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا}⁣[فصلت: ٤٦] وشهادة كل عاقل عليهم) بأنه خلق لهم قدرة.

  (قالوا:) أي المجبرة جميعاً (لو فعل) أي لو خلق لهم قدرة يتصرفون بها (لكان فعل الفاعل) من العباد للمعصية (منازعةً له في سلطانه) وقد نهاهم عن فعل ذلك فعصوه ونازعوه.

  (قلنا: ليس فعل العبد منازعةً) لمولاه في سلطانه (أمَّا فعل الطاعة والمباح فواضح) أنه مريد لهما، فلا منازعة له تعالى فيهما.

  (وأمَّا فعل المعصية فهو كفعلِ عبدٍ قال له سيده: لا أرضاك تأكل البُرَّ، ولا أحبسك عنه، لكن إن فعلت عاقبتك، ففعلُ العبدِ ليس نزاعاً) لسيده في سلطانه؛ (لأنَّ النزاعَ المقاومة والمغالبة، وهذا العبد لم يقاوم ولم يُغالب) سيده، فكذلك العبد العاصي لِلهِ سبحانه.

  (قالوا:) أي: المجبرة عموماً (سَبَقَ في علم الله أن العاصي يفعل المعصية) فكيف يتمكن من تركها مع ذلك؟

  (قلنا) في الجواب عليهم: (عِلْمُه تعالى) بمعصية العبد وطاعته لا تأثير له في فعلهما؛ لأنَّ علم الله (سابق غير سائق فلم يُنَافِ) عِلْمُ اللهِ سبحانه بما سيفعله العبد (تمكُّنَ العاصي من الفعل والترك، وإن سُلِّمَ ما ادَّعته المجبرة) من أن علمه تعالى سائق: عارضناهم بمثله فنقول: إذا زعمتم ذلك (فعلم الله سبحانه) بأنَّ العبدَ متمكنٌ من فعل الطاعة وتركها بحسب اختياره (ساقه إلى التمكن؛ إذ هو تعالى عالم أن العاصي متمكن) من فعل الطاعة وتركها، فما قولكم بأنه ساقه إلى الفعل بأولى من قولنا بأنه ساقه إلى التمكن؛ (وذلك إبطالٌ للجبر) أي: لقول أهل الجبر، بأن العبد مجبور على فعله.