باب عمل اسم الفاعل واسم المفعول
  أمس، ولو قُلت: ضارب زيدًا أمس لم يجز إلا على مذهب الكسائي، وهو غير مستقيم، لأن اسم الفاعل إنما عمل لمضارعة المستقبل، وليس بينه وبين الماضي مضارعة، فكما مُنع الماضي الإعراب لعدم المضارعة فكذلك يُمنع اسم الفاعل بمعنى المضي، وقد احتج الكسائي بقول الله سبحانه: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}[الأنعام: ٩٦]، وزعم أن الليل في موضع نصب بجاعل، وجاعل بمعنى المضي، وقد عطف عليه الشمس والقمر منصوبين، وليس الأمر كذلك عند سائر النحويين بل نصب الشمس والقمر بفعل محذوف تقديره: وجعل الشمس والقمر.
  وقد بينا أنَّ الفعل يعمل محذوفًا كما يعمل ظاهرًا. وقد احتج بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}[الكهف: ١٨]، وتأوله العلماء أنه ليس بماض وإنما هو حكاية لحال الكلب عند وقوع الأمر، وهو تخريج صحيح لأن الواو في قوله: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ} واو حال، والتقدير: نقلبهم ذات اليمين، وذات الشمال في حال بسط كلبهم ذراعيه. وزعموا أن معنى القصة الدوام، والدائم هو فعل الحال، واسم الفاعل بمعنى الحال عامل وحجته في هذا الموضع أقوى منها في الآية الأولى. ومن الممتنع أن اسم الفاعل لا يعمل أو يعتمد على غيره، واعتماده يكون على أحد أربعة أشياء مثل: المبتدأ، هذا ضارب زيدًا، والموصوف، مثل: مررتُ برجل ضارب عمرًا، وصاحب الحال مثل مررتُ بزيد ضاربًا عمرًا. والاستفهام مثل: أضارب أخوك عمرًا؟ وقد قدمنا أنه لا يجوز استتار ضمير الفاعل فيه إذا جرى خبرًا لغير من هو له كالفعل؛ لأنه مشبة، والمشبه أضعف من المشبه به. ونقصان اسم الفاعل أربعة أشياء، قد ذكرناها متفرقة في الأحكام وهي: أنه لا يعمل بمعنى المضي، ولا يعمل وهو محذوف، ولا يعمل أو يُعتمد، ولا يستتر فيه الضمير إذا جرى على غير من هو له فافهم ذلك، وبالله التوفيق وهو ولي العون والهداية إن شاء الله تعالى.