باب التمييز
  وملائكته وكتبه ورسله عليك شهيدًا، قال الشاعر: (وافر)
  إذا لاقيت قومي فاسأليهم ... كفى قوم بصاحبهم خبيرا(١)
  ولم يقل خبرًا. وكان جنسًا لأنه في المعنى هو المميز، ولا تميز إلا الذوات الجامدة. ولأنه يختص بالشياع وهو يكون للأجناس خاصة، ولذلك كان نكرة أيضًا. وقلنا: يُسأل عنه بمه لأنها أليق كَلِم الاستفهام به لوقوعها على جملة الشيء المسئول عنه ألا ترى أن قائلاً يقول: عِندي أحد عشر فيقال له: مه، فيقول: رجلاً، أو من الرجال، ولو قال: كيف؟ لسأل عن حاله دون ذاته، أو قال: كم؟ يُسأل عن عدد، أو مَنْ؟ لخصَّ من يعقل، وقس على ذلك. وأجيب عنه بمن لأن معناها بيان الجنس في أحد أقسامها، والتمييز جنس فاعرف ذلك.
  فصل: وأما على كم ينقسم المميز؟ فهو ينقسم على خمسة أضرب: معدود ومكيل، وموزون، وممسوح، أو مقدر بالممسوح. فجل المعدود يكون من أحد عشر إلى تسعة وتسعين على حد قوله تعالى {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا}[يوسف: ٤]، و {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}[البقرة: ٦٠] {ثَلَاثِينَ لَيْلَةً}[الأعراف: ١٤٢]، {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[البقرة: ٥١]، و {إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[الأعراف: ١٤٢]، {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}[الأعراف: ١٥٥]، ومنه: {سَبْعُونَ ذِرَاعًا}[الحاقة: ٣٢]، و {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً}[ص: ٢٣]، وما أشبه ذلك. والمكيل نحو قولك: عندي مُد برا، وقفيز تمرًا، وصاح زبيبًا، وما أشبه ذلك. فإذا قلت ثلاثة أصواع برا، وأحد عشر قفيزا تمرًا صار معدودًا. والموزون مثل قولك: لي رطل زيتًا، وأوقية ذهبًا، ومَنْ حريرا. والممسوح مثل قولهم ما في السماء موضع إهاب خاليا، وما في الثوب قدر راحة طاهرًا، أي: مقدار ذلك، أو مساحته، وذلك أنه يُقدر بالذرع وما يجري مجراه. والمقدر بالممسوح قولك: على التمرة ومثلها زُبدا، وعلى الجبل مثله
(١) البيت منسوب إلى جشامة بن قيس انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ٤/ ١٦٣١.