كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب التعجب

صفحة 156 - الجزء 1

  فصل: أما ما معنى التعجب؟ معناه: المدحُ أو الذم للمتعجب منه مثالها: ما أكرم زيدًا وما أبخل عمرًا، فما اسم مطرد في موضع رفع بالابتداء وخبره الجملة بعده، وأكرم فعل ماض وفاعله مضمر فيه يعود على ما، إذ لا بد لكل مبتدأ من ضمير يعود عليه من الخبر، ولا يبرز هذا الضمير لأنه يعود على ما وهي مفردة، ولذلك يقول: ما أكرم الزيدين وما أكرم العمرين ونظيره في غير التعجب قولك: زيد ضربَ عمرًا، وزيد ضربَ العمرين، ففي ضرب ضمير فاعل مستتر لا يبرز لعوده على مفرد قبل التعجب على فعل مثل: حَسُنَ زيدٌ. ثم حذفته، وأوقعت ما موقعه، ثم احتجت إلى نصب المتعجب منه وليس هناك شيء غير ما وهي تنصب المفعول لأنَّها بُنيت في محل فعل لازم، فوجب أن تعيد لفظ الفعل بعد أن أكسبها البناء، ثم تدخل عليه همزة النقل فتنصب به المتعجب، أو يكون الظاهر تأكيدًا للمتعجب المحذوف والمنصوب في باب التعجب مشبه بالمفعول به، وهو الممدوح أو المذموم، وكان حقه أن يكون فاعلاً لأن معنى ما أكرم زيدًا أكرم زيد جدا.

  فصل: وأما على كم ينقسم: فهو ينقسم على ضربين: ضرب منه يجيء على صيغة ما أفعله مثل ما أكرمه، وما أبخله، قال الله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ١٧٥}⁣[البقرة]، والضرب الثاني: يجيء على صيغة أفعل به مثل: أكرم بزيد، وأبخل بعمر، وقال الله سبحانه: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}⁣[مريم: ٣٨]، فأسمع وشبهه فعل ماض فارغ من الضمير لأنه ليس قبله اسم يعود الضمير إليه، ولا مبتدأ يطالب به، وفاعله المجرور بحرف الجر وهو المتعجب منه أيضًا، فقد صار يقدر فيه الرفع؛ لأنه فاعل، والنصبُ لأنه مفعول متعجب منه، ويُعرب بالجر لدخول البناء فتقدير أحسن بزيد: حسن زيد وكان حق هذا الفعل أن يكون مبنيًا على الفتح لأنه فعل ماض دخلت عليه همزة النقل، وكان أصله حَسُن، وكُسِرت عينه فأشبه فعل الأمر وليس بأمر، لأنه يدخله الصدق والكذب. إذا قلت أَحْسِن بزيدٍ فربما كان حسنا وربما كان قبيحا، والأمر لا يدخله صدق ولا كذب في مثل قولك: أحسن بزيد ظنك.