باب النداء
  روي بنصب الأول ورفعه ومثله قول الأسود بن عفار الجدشي: (بسيط)
  ذُوقي لبغيك يا طسم مجللةً ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب(١)
  يروى بنصب مطر، ورفعه وكذلك البيت الثاني. ويجوز حذف حرف النداء غالبًا، قال الله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}[يوسف: ٢٩]، و {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ: ١٣]، وقال الشاعر: (كامل)
  فندلا زريق المال ندل الثعالب
  وأما الممتنع: فهو ضد الأحكام الواجبة، وحذف حرف النداء من النكرة مقصودة وغير مقصودة، نحو أن تقول في يا رجل، ويا رجلاً من أهل العراق: رجلُ أقبل، ورجلاً من أهل العراق أقبل، وقد جاء في المثل: (أطرق كَرَا إِنَّ النعامة في القُرى)، و (افتد مخنوق)، أي: يا كرى ويا مخنوق. فإن الأمثال موضوعة على ما سمعت عليه لا يجوز تبديلها سواء أصابت حقيقة الأصل أو أخرجت عنها، ألا ترى أنهم قالوا في المثل: (أساء سمعا فأساء إجابة) بفتح الهمزة من أجابه، وذلك غير جائز في غير المثل فعلى لا يُقاس على أطرق كَرَا لأنَّه مثل، وقد عيب على امرئ القيس قوله: (كامل)
  لعمري لسعد بن الرباب إذا عدا ... أحب إلينا منك فا فرس حَمِرْ(٢)
  أراد يا فرس فحذف حرف النداء من المُبهم نحو أن تقول في يا هذا أقبل: هذا أقبل، وقد عِيبَ على المتنبي قوله:
  هَذِي برزت لنا فهجت رَسيا ... ثم انثنيت وما شفيت نسيا(٣)
  فحذف حرف النداء من هذي وهو غير جائز عند أحد من النحويين، فافهم ذلك، وقس عليه تصب إن شاء الله تعالى.
(١) انظر: الأغاني: ١٠/ ٤٧.
(٢) انظر: ديوانه: ١١٣.
(٣) انظر: شرح ديوان المتنبي للبرقوقي: ١/ ٣٨٢.