باب المفعول المحمول على اللفظ
  يروى برفع الأفواه ونصبها وهذا أقرب المعنى من قول الفرزدق لأنه ما قرع الأفواه فقد قرعنه ومثله قول الآخر: (رجز)
  قد سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما(١)
  لأنَّ ما سالمته الحيات فقد سالمها.
  وجميع ما ينصب على التمييز بعد الفعل مقلوب مشبه بالمفعول وهو في الحقيقة فاعل. وذلك مثل قولك: تصبب بدن زيد عرقًا، وتفقأ شحما. وطاب بالأمر نفسا. وضاق به ذرعا تقديره تصبب عرقه وتفقأ شحمه، وطابت بالأمر نفسه، وضاق به ذرعه وكذلك المتعجب منه مثل: ما أحسن زيدًا. تقديره زيد حسن جدا، وحسن زيد، وفي التنزيل: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}[مريم: ٤]، {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبياء: ٣٢]، و {حِجَابًا مَسْتُورًا ٤٥}[الإسراء] والتقدير: اشتعل الشيب في الرأس، وسقفًا حافظاً وحِجابًا ساترا. وفي باب الاسم الذي لم يسم فاعله أنَّه يجوز لك أن تحذف الفاعل وتقيم المفعول به مقامه. ثم تعود فتذكره حرصًا على البيان. وترفعه بتقدير فعل محذوف. وذلك نحو قولك: ضُرِبَ عمرو زيد. والتقدير ضرب عمرو، وضربه زيد يأخذ الفعل المقدر من لفظ الفعل الظاهر، أو من معناه وفي بعض القراءة: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}[الأنعام: ١٣٧] ترفع القتل اسم ما لم يسم فاعله وترفع الشركاء على تقدير زينه شركاؤهم. ومثله قرأ بعضهم: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ٣٦ رِجَالٌ}[النور: ٣٦ - ٣٧] فله في موضع رفع أقيم مقام الفاعل ثم ذكر الفاعل بعد ذلك ورفعه بتقدير يسبح رجال. قال الشاعر: (طويل)
  ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومُختَبِطْ مِمَّا تُطِيحُ الطوائحُ(٢)
(١) البيت لمساور بن هند الفقعسي، وقيل لأبي حيان الفقعسي انظر: الجمل للزجاجي: ٢١٤.
(٢) البيت نسبه صاحب الكتاب للحارث بن نهيك: ١/ ١٤٥، ١٨٣.