كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب المفعول المحمول على اللفظ

صفحة 254 - الجزء 1

باب المفعول المحمول على اللفظ

  اعلم أنه متى صح لك في هذا الباب في كل واحد من الاسمين أن يكون فاعلاً والآخر مفعولاً مثل: ضرب زيد عمرًا، وضرب زيدًا عمرو، لَمْ يجز الحمل على اللفظ. ووجب التبين خشية اللبس لم يكن إلا التحقيق ومتى لم يصح جواز الفعل للاسمين بل لأحدهما وأمن اللبس جاز القلب والحمل على اللفظ اتكالاً على المعنى. ومن كلام العرب أدخل القبر زيد، وأدخل القبر زيدًا. وكسيت الكعبة ثوبًا، وكسي ثوب الكعبة وأعطي زيد درهمًا وأعطي درهم زيدا؛ لأن السامع لا يتوهم أن القبر يدخل زيدًا ولا أن الكعبة تكون كسوة للثوب. ومن ذلك أدخلت القلنسوة رأسي وأدخلت رأسي القلنسوة وعرضتُ الحوض على الدابة وعرضت الدابة على الحوض. قال الفرزدق: (بسيط)

  أما كليب بن يربوع فليس لها ... عند المكارم لا وردّ ولا صدرُ

  مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوءاتهم هَجَرُ⁣(⁣١)

  فلما كانت القافية مرفوعة وكان المعنى لا يلتبس قلب فجعل الفاعل مفعولاً والمفعول فاعلاً لأن هجرًا لا تبلغ السوءات وإنما تنقل السوءات إلى هجر، ومثله قوله: (طويل)

  غداةَ أحَلَّت لابن أصْرَمَ طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخَمْر⁣(⁣٢)

  فجعل الخمرَ يُحلل الطعنة وهو يريد أنّ الطعنة هي التي أحلت بحصين بن أصرم الخمر لأنه سمع بعض أصحاب أبي حنيفة يُحل الخمر للتداوي فقال: طعن هذا استحل بها شرب الخمر. وقال الأعشى: (بسيط)

  أفْنَى تِلادِي وَمَا جمعت من نشب ... فرع القواقيز أفواه الأباريق⁣(⁣٣)


(١) البيتان للأخطل، انظر: ديوانه: ١١٠.

(٢) البيت للفرزدق وفي ديوانه ٢١٧، ونسب إليه في الجمل للزجاجي/٢١٢.

(٣) البيت غير موجود في ديوان الأعشى، وقد نسب إلى الأقيشر المغيرة بن أسود بن عبد الله الأسدي، وقد نسب إليه في كتاب الجمل للزجاجي: ١٣٣ - ١٣٤.