كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب النهي

صفحة 278 - الجزء 1

  والاستعفاء: يكون من المقدور عليه إلى القادر، وهو مثل قول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا}⁣[آل عمران ٨]، {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}⁣[البقرة: ٢٨٦]. وقد يجيء من هذا النوع شيء بمعنى الدعاء للغير نحو: لا يفضض الله فَاكَ، وعَلَيْهِ ولا يغفرُ الله لزيد.

  والتحذير: نحو قولهم: لا تدن من الأسد فيأكلك؛ قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}⁣[البقرة: ١٩٥]، وتقول: لا تأكل السمك فيقتلك، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن فلم ينهه عن مُحرم ولكن حذره عن ضار. والله أعلم. وربما جاء التحذير في باب الإغراء كناية غير صريح فتقدر بالأمر والنهي مثل قولهم: الأسد الأسد، والليل الليل، وإيّاك إيّاك والمعنى: احذر الأسد، ولا تقرب الأسد، وكذلك الباقي.

  فصل: وحُكم النهي أنه لا يكون إلا ومعه لا ظاهرة ولا مقدرة. ويكون مجزومًا مع الظاهر لحاضر كان أو غائب مثل: لا تقم يا زيد، ولا تقم يا عمرو. وهُوَ معرب لأن حرف المُضارعة لا يفارقه. فإن قدَّرت لا والفعل في باب الإغراء جئتَ باسمين مكررين ظاهرين، أو حرفين أو حرفًا واسمًا. فقلت في الاسمين الأسد الأسد وتنصبُهُما جميعًا. فالأول نَابَ منابَ الفعل المحذوف وهو منصوب به.

  والثاني: مفعول منصوب بالاسم الأول لأنه قد تنزل منزلة الفعل فعمل عمله وتقول في الحرفين: إليك إليك، أو منك منك والتقدير: لا يفتك أو الزم، أو رد كذا، قال القطامي: (وافر)

  إذا التيارُ ذُو العَضَلاتِ قالوا ... إليك إليك ضاقَ بِهَا ذِرَاعًا

  وتقول في الحرف والاسم: عليك نفسك. قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}⁣[المائدة: ١٠٥]. فنفسك منصوب بعليك وإن كان حرف جر لأنه قد تنزل منزلة الفعل وناب عنه فعمل عمله، وكذلك الظروف تقول فيها: دُونك الطائر، وخلفك الأسد. ورُبَّما جاءوا بالاسمين مضمرًا