باب الحكاية
  سَمِعْتُ النَّاس ينتجعون غيثا ... فقُلتُ لصيدَحَ انتجِعِي بِلالا(١)
  فرفع الناس، على الحكاية والتقدير: سمعتُ قول الناس. الناس ينتجعون غيثًا، وكذلك لو لحن المتكلم لحكيت لحنه كأن تقول: جاءني أخيك. فتقول قال: جاءني أخيك، وعليه فسر بعضهم قول الله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}[طه: ٦٣] وفي الآية وجوه أخر.
  فصل: وأما أحكام الحكاية فكثيرة؛ منها: أنك إذا أدخلت واو العطف على من لم يجز إلا الرفع فإذا قال: جاءني زيد، ورأيتُ زيدا. ومررتُ بزيد. قلت: ومن زيد؟ بالرفع لا غير وكذلك لو نعت أو عطف لم يجز إلا الرفع، فإذا قال: رأيت زيدًا الظريف، أو مررتُ بزيدٍ وعمرو، وقلت من زيد الظريف؟ أو من زيد وعمرو يا هذا.
  ومنها: أن المتكلم إذا جمع بين من يعقل وما لا يعقل في النكرات حكيت من يعقل بمن، وما لا يعقل بأي إلا أنه إذا قدم العاقل لم تلحق من علامة إعراب وألحقتها أيَّا. وإن أخَّر من يعقل ألحقت من، وأيَّا العلامات مثال التقديم، قولهم: جاءني رجلٌ وحِمَارٌ، ورأيتُ رجُلاً وحمارًا، ومررتُ برجل وحمار. فتقول: من وأي، ومن، وأيَّان ومن وأي، ومثال التأخير: جاءني حِمَارٌ، ورجل، ورأيتُ حِمارًا ورجلاً ومررتُ بحمارٍ، ورجل. فتقول: أيُّ ومنو وأيَّا ومنا، وأيّ ومَنِي.
  ولو كان بدل النكرة العاقل معرفة نحو أن تقول: رأيتُ زيدًا وبعيرًا أو مررتُ ببعير وزيد لقلت من زيد؟ وأيَّا وأي. ومن زيد؟ ترفع زيدًا على كل حال لأجل العطف تجري أيَّا بوجوه الإعراب. ولو جُمِعَ بين نكرتين لا تعقلان فقال: بعير وحمارًا أو بعيرًا وحمارًا لقلت أيّان وأين ولو قال بعيران وحماران، أو بعران وحمير لقلت: أيان في جميع ذلك. وفي مؤنثه أيه وأيتان وأيات. فإن جاء بعاقلين مختلفين: فقال: جاءني رجُلٌ وامرأة، أو رجلان وامرأتان، أو رجال ونساء. قلت:
(١) البيت في ديوانه: ٥٢٨، وفي الجمل: ٣١٥.