باب محاسن الشعر
  وأما المداخلة فإنَّها الشاهد على اضطرار الشاعر وضعف تصرفه، ومن ذلك قول الفرزدق: (طويل)
  وما مِثْلُهُ في الناسِ إِلَّا مُمَلَّكًا ... أبو أمِهِ حَيَّ أَبوه يُقَارِبُه(١)
  ففرق بين المبتدأ والخبر وبين النعت والمنعوت وأنزل الأشياء في غير منزلته. وخلط أول الكلام بآخره.
  وأما الخروج من الحدود فإنَّه مبالغة في الكذب وخروج من الموجود ودخول في المعدوم. ما يردُ بِهِ الشَّاعر المثل ومنه قول بعضهم: (طويل)
  لَهُ رَاحَةٌ لَوْ فَاضَ مِعْشَارُ جُودِهَا ... عَلَى البرّ كان البر أندَى مِنَ البحر
  لَهُ هِمم لا منتهى لكثيرها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
  ولو أن خلق الله في مسك فارس ... وبارزه كان الخليّ من العُمرِ(٢)
  فاسمعه يقول: لو فاض معشار جوده على البرّ لكان أكثر ندى من البحر، ولا حاجة للبر إلى أن يكون كذلك. وهذا زعم من معشار جوده. والمعشار فيما رواه ابن خالويه عن العلماء جزء من ستين جُزءاً فكيف إذا فاض مع ذلك الجزء تسعة وخمسون جزءاً ما كان يكون البر وقوله:
  له همم لا مُنْتَهى لكثيرها .......................
  خروج من التوحيد إلى الشرك وقد علمت أنّ الأشياء كُلَّها منتهية إلى الله تعالى. فهذا تشبيه المحدث بالقديم، وإلحاق لصفة المخلوق بصفة الخالق تعالى الله عن ذلك عُلوا كبيرًا ثم انظر إلى قوله: (ولو أن خلق الله في مسك فارس) والمسك بفتح الميم الخلد قال: (وبارزه كان الخلي من العمر) معناه: إذا لقتله
=
مادة (شلل): ١٣/ ٣٨٥، والشعر والشعراء لابن قتيبة: ٧١/ ٢٦٤، والمحتسب لابن جني: ٢/ ١٧٦، والمعجم في بقية الأشياء لأبي هلال العسكري/ ١٠٦.
(١) البيت من الطويل وهو في ديوانه تحقيق الصاوي: ١/ ١٠٨، والكتاب: ١/ ١٤، نسبه للفرزدق.
(٢) الأبيات من البحر الطويل، وقد نسبها التفتزاني في شروح التلخيص: ٢/ ١١٥، إلى حسان بن ثابت يمدح رسول الله ÷، وفيه (لكبارها) بدل (لكثيرها) وليست في ديوانه.