كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب محاسن الشعر

صفحة 405 - الجزء 1

  وقطع عُمره. فجعل شجاعته بإزاء شجاعة الملائكة والجن والإنس والسباع والحيات، والحيوان كله لو جمع شخصًا واحدا. وهذا مُحالٌ بين الإحالة فنزه نفسك منه وارغب بشعرك عنه فلا خير في قليل الكذب فكيف في كثيره. فإن قالت لك العامة: خير الشعر أكذبه. فقل: بل خيرُ القول أصدقه.

  وأما قسمته ثلاثة فنسيب، واقتصاص، ومدح، أو هجاء.

  أما الفصل الأول: وهو النسيب فيستجلب به نافرَ القُلوب.

  وأما الفصل الثاني: وهو الاقتصاص فيسترحم به ويشكو ويفتخر به ويعلو، أو يسأل حوائجه، ويومئ إلى عرضه، أو يذكر طريقه ويصف راحلته.

  وأما الفصل الثالث: وهو المدح، أو الهجاء فيرفع به مكان الممدوح، ويضع به شأن المهجو.

  فهذه خمسة عشر وجهًا إذا نظر إليها الشاعر وجعلها من غرضه كان شعره صافي الجوهر، صحيح التركيب حسن الصنع، سهل المأخذ عذب الرواية، شائع الصيت، بعيد السيرورة مستحقًا أن يوصف بقول الشاعر: (بسيط)

  ألقي قذى الشعر عنه حين أقرضه ... فَما يشعري من عيب ولا ذام

  كأنما أصطفي شعري وأغرفه ... من موجِ بحر غزير زاخر طامي

  مِنْهُ غَرائب أمثَالِ مشهرة ... ملموسة زانها رصفي وإحكامي⁣(⁣١)

  ثم أقول: وينبغي للشاعر عند عمل الشعر أنْ يُناسِبَ بين أبيات شعره من غير أن يكون منها بيت مُحتاجًا إلى غيره ويضعُ كل شيء منها في موضعه حتى لو سقط بيت لأخل بالترتيب وقد مثلوا أبيات القصيدة في الائتلاف بأعضاء الإنسان لو ذهبَ مِنْهَا عضو لأخل بالجسد كله.

  ويستحب للشاعر أن يكون عارفًا بأساليب الشعر وأن يُحلي شعره بها ويبنيه عليها ولا يعطله منها. فإنَّها للقريض بمنزلة العقود المنظومة في جيد الكاعب البكر،


(١) الأبيات من البسيط ولم أهتد لقائلها.