الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

وإذا قد ذكرنا اسمه # فنذكر صفته #:

صفحة 134 - الجزء 1

  وأما ما أخرجه أبو داود عن قيس بن عباد⁣(⁣١) قلت لعلي ¥: أخبرني عن مسيرك هذا، أَعَهْدُ عَهِدَهُ إِليك رسولُ الله ÷، أَمْ رَأَي رَأَيْتَهُ؟ فقال: «مَا عَهِدَ إِلَيَّ رسولُ اللَّهِ ÷ بِشَيْء، ولكنه رَأَيْ رَأَيْتُهُ»⁣(⁣٢)، فهذا ظاهرُ سياق العلامة الديبع⁣(⁣٣) في تيسيره أنه في مسيره إلى أهل الجمل؛ لأنه ذَكَرَهُ في سياق وقعة الجمل، فكأنه وقع في أصوله كذلك، وهو ينافي حديث الناكثين وغيره؛ فإنه عَهْدٌ منه ÷؛ فَيُحْمَلُ على أنه كان ذلك قَبْلَ تَحَقُّقِ الوصي # لِلنَّكْثِ، ورجاؤه أنه لا يتم أنهم هم الناكثون، أَوْ أَنَّ المُرَادَ أَنَّ نَفْسَ المسير إلى البصرة لا عَهْدَ فيه، وإِنَّمَا عَهِدَ إِليه أَن يُقَاتِلَ الناكثين، ولعل هذا أقرب؛ لأنه سأله عن المسير نفسه؛ ولأنه قد أخبر أنهما ينكثان بيعته لا يَرَوْنَهُمَا إِلا في فتنةٍ يُقْتَلانِ فيها، وهذا الكلام دَخِيل تكميلا للفائدة، وإلا فالكلام فيما استُثْمِرَ من القصة من المعجزات النبوية، والصفات العلوية المرضية.

  فمن صفاته المرضية: أَنَاتُهُ بالخوارج وقد دخلوا عليه وجاهروه بالسب، وحِلْمُهُ عن زُرْعَةَ [رئيس الخوارج] وقد قال له: إن لم يَتُبْ لَيُقَاتِلَنَّهُ، وصَبْرُهُ على أذاهم حتى تصايحوا من جوانب المسجد (لا حكم إلا الله)، ومُقَابَلَتُهُ لِمَنْ تَلَا مُخَاطِبا له: {لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ}⁣[الزمر: ٦٥] الآية، وتصبيره لنفسه # لتلاوة {فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ}⁣[الروم: ٦٠] الآية، ثُمَّ لَمَّا تَحَقَّقَ منهم الخروجُ رَاسَلَهُمْ، فأرسل إليهم ابْنَ عَمِّهِ حَبَّرَ الأُمَّةِ عبد الله بن عباس يناظرهم، ثُمَّ لَمَّا أصروا على العصيان أرسل إليهم مَنْ يدعوهم إلى كتاب الله ø(⁣٤)، ثُمَّ لَمَّا سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرح الناس فَتَكَ. بهم الفتكة التي طحنهم بها


(١) القيسي الضبعي، أبو عبد الله، تابعي، وثقه ابن سعد، وغيره، شيعي، خرج مع ابن الأشعث فشهد معه مواطنه كلها، وبعد ذلك جلس في بيته، فبعث إليه الحجاج فضرب عنقه، روى له الجماعة. ينظر: طبقات ابن سعد ٧/ ١٣١، وتهذيب الكمال ٤/ ٦٤.

(٢) سنن أبي داود ٥/ ٥٠ برقم ٤٦٦٦، وتيسير الأصول لابن أبي الديبع ٤/ ٣١.

(٣) عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني الزبيدي، محدث وفقيه شافعي، مورخ، توفي سنة ٩٤٤ هـ، وله تيسير الوصول على جامع الأصول، وقرة العيون، في أخبار اليمن الميمون، وغيرهما. الأعلام ٣/ ٣١٨.

(٤) تقدم أنه أرسل إليهم أحد أصحابه ومعه المصحف فقتلوه، ثم بعث ثانيا فقتلوه.