الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

[فضائل الزهراء &]

صفحة 255 - الجزء 1

  هل عندك شيء تُعَشَّيْنَا به؟ فأطرقَ عَليَّ لا يُحِيرُ جوابًا حَيَاءً مِنَ النبي ÷ وقد عرف الحال الذي خرج عليها! فقال النبي ÷: إما أن تقول: لا؛ فننصرفَ عنك، أو نَعَمْ؛ فَنَجِيء معك! فقال له حُبًّا وتكريما: اذهب بنا، وكَانَ الله سبحانه قد أوحى إلى نبيه ÷ أَنْ تَعَشَ عندهم؛ فأخذ النبي ÷ بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة & في مُصَلَّ لها، وقد صَلَّتْ، وخَلْفَهَا جَفْنَةٌ تَفُورُ دُخَانًا، فلما سمعت كلام النبي ÷ خرجت من المصلى فَسَلَّمَتْ عليه، وكانت أَعَزَّ الناس عليه، فرد السلام ومسح بيده على رأسها، وقال: كيف أمسيتِ؟ عَشّينا غَفَرَ اللَّهُ لَكِ - وقد قَعَدَ - فَأَخَذَتِ الجفنةَ ووَضَعَتْها بين يديه، فلما نظر على ذلك وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميًا شحيحا! فقالت: ما أَشَحَّ نَظَرَكَ وَأَشَدَّهُ؟! سبحان الله! هل أذنبتُ فيما بيني وبينك ما استوجبتُ به السَّخْطَةَ؟ قال: وأَيُّ، ذَنْب أَعْظَمُ مِنْ ذَنْب أَصَبْتِيهِ اليَومَ! أليس عهدي بك اليوم وأنتِ تحلفين بالله مجتهدةً ما طَعِمْتِ طَعَامًا يَوْمَيْنِ؟! فَنَظَرتْ إلى السماء فقالت: والذي يَعْلَمُ ما في سمائه، ويعلم ما في أرضه إني لم أقل إلا حَقًّا، قال: فَأَنَّ لك هذا الذي لم أرَ مِثْلَهُ، ولم أَشُمَّ مِثْلَ رَائِحَتِهِ، ولم أكُل أَطيب منه!؟ فوضع النبي ÷ كَفَّه المباركة بين كَتِفَيْ عَلَي # ثم هَزَّهَا، وقال: يا عَلِيُّ هذا ثواب الدينار، وهذا جَزَاءُ الدينار، هذا من عند الله: {إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ ٣٧}⁣[آل عمران: ٣٧]، ثم استعبر النبي ÷ باكيا، ثم قال: «الحمدُ للهِ الذي لم يُخْرِجُكُمَا من الدنيا حتى يُجْرِيَكَ فِي الْمَجْرَى الذي أَجْرَى فيه يحيى بن زكرياء، ويُجْرِيَكِ يا فاطمة في المجرى الذي أَجْرَى فِيهِ مَرْيَمَ بِنْتَ عمران: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ}⁣[آل عمران: ٣٧](⁣١).


(١) جزء في فضائل فاطمة لابن شاهين ص ٢٦. هي قصة شيقة؛ فرحم الله ابن شاهين وأمثاله.